د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** أوصاه أن يوسع حدقتي عينيه ويرخي شفتيه ويعتني بالأفكار الرخوة فليس للجيد منها سوى آلة إتلاف الورق، فكذا ارتأى صاحب كتاب «نظام التفاهة»، ولم يتخطّ الحقيقة فليس أسوأ من كتّاب العناوين العجلى إلّا المصدِّقون برؤاهم والمصفقون لابتساراتهم، ولأننا في زمن الأسطر الخجلى فقد باتت الحروف «المئة والمئتان» مشتملة على فكرةٍ وتقديمٍ وعرضٍ وخاتمة وتعليقاتٍ تستحقّ بحثا أو على الأقل مقالا.
** نحن في زمنٍ لا يأذن بكل هذا، ونعجب ممن يبعثون بتغريداتهم إلى هواتفنا تسويقا لها وكأنها ملأى وهي فارغة لا تعني ولا تغني، ولكنْ للكتابة شجون وللكتّاب شؤون، سواء أمسّت الشأن الثقافي أم سواه، ونأسى حين يقف الحوار كما يشاء ذوو الصوت والصيت.
** استطال الخلل -في زمن الثقافة الفرعية- فتورط به رموز انقادوا لوهج الضوء فاقتعدوا كرسي الواعظ المعلّم مفترضين أن توجهاتهم ستسود وتقود، وتحقق لهم هذا مع فئامٍ من العامة وأشباهم (والعامة هنا تقابل النخب ولا تقابل المتعلمين) ممن يرددون ما يقال ويقولون ما يردد، والأمثلة ذات أمداءٍ وأصداء، وأبرزها متشابكات في قضايا المجتمع والسياسة والاقتصاد، وكذا الثقافة، وسبق لصاحبكم أن تناول ما يثار حول الإمامين أبي هريرة والبخاري رضي الله عنهما، وبدء تدوين السنّة، ولجاج الصحوة والحداثة، والموروث الثقافي العربي، وتقزيم علوم النحو واللغة، وإسقاط النخب، وغيرها مما ينتج عنه خليط وهمي يضل ولا يدل فيحتفظ كل بما حفظ.
** جمعت صاحبكم جلسة خارج الوطن مع صديق عربي مثقف ذي مذهب مختلف فلمز وغمز الحنبلية والوهابية وركز على شيخ الإسلام ابن تيمية بوسمه قائد التشدد والتزمت والتخلف، وإذ سأله عما قرأ لهم أجاب بأنه قرأ عنهم، وأشار عليه صاحبكم أن يقرأ في كتاب «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية» الذي رد فيه ابن تيمية على كتاب «منهاج الكرامة في معرفة الإمامة» للعلامة ابن المطهّر الحلّي، وهو كتاب يناسب الصديق العزيز لارتباطه بما يذاع ويشاع بين أبناء السنة والشيعة معا، وليرى موضوعية الشيخ -مع شدته وحدته- بنقله الأمين لآراء ابن المطهّر ثم رده عليها، فأتاح لنا قراءة كتابين كافيين لنحكم بعقولنا لا بميولنا، ولكي يختار من يقرؤهما أين يصطف.
** لاجدل حول قيمة الوسائط الرقمية وإفرازها ثقافة جديدة مفيدة من جانب، كما لا شكّ حول كم التسطيح والفراغ والإشغال فيها، وقد سبق لصاحبكم الإشارة إلى كتاب «ألان دونو» نظام التفاهة» ومقدمة مترجمته «مشاعل الهاجري»، وخلوصه إلى دور هذه الوسائط في تكوين العقل الجمعي والتركيم المتسارع للمعلومات غير الموثقة دون قيمةٍ أو قيم، ولعل آثارها ستبدو بعد حين في أجيالٍ تسْلم عقولها لسواها فلا تفكر ولا تتفكر.
** الإنابة الذهنية وفاة روحية.