«الجزيرة» - عرض - المحرر التشكيلي:
الحديث عن صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون (مساحة)، التي تعيش هذه الأيام لحظات إعادة وهجها وقيمتها ومقامها في الحراك التشكيلي والثقافي لمختلف الفنون البصرية.. تستحق أن يُذكر من خلاله الأيام الجميلة فيها وعكسها؛ فالسنوات الخمس والثلاثين لا تخلو من رسم بياني يرتفع ويهبط حسب الدعم ومستوى النشاط الذي سيقام فيها. وهنا يحق لنا أيضًا شكر معهد مسك المنبثق من مؤسسة مسك الخيرية التي يرأس مجلس إدارتها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القيادي الشاب الذي يعرف متطلبات الشباب المبدعين، ويقدر من سبقهم؛ ولهذا تحقق حلم من أحلام كثيرة، تمثل في إنشاء معهد مسك الذي يرأس مجلس إدارته سمو الأمير بدر، بعضوية نخبة يتقدمهم معالي الأستاذ بدر العساكر الفنان الذي أخذته ظروف العمل عن إبداعه، لكنه لم يغب عن خدمة المنتسبين لهذا الإبداع؛ فسعادته التي أجزم بها هي في ما يقدمه لهذا الفن والفنانين، منها إعادة تأهيل صالة الأمير فيصل بن فهد.
الشهادة على تجارب التشكيليين الأولى
من الأمور المهمة التي ترتبط بالصالة شهادتها لتطور تجارب الفنانين عبر ما يُعرض فيها من معارض فردية لكبار الفنانين ورواد الفن التشكيلي، منهم على سبيل المثال الفنانون: محمد السليم ومحمد الصقعبي وصفية بن زقر، أو بشراكة نخبة من الرواد في معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومسابقاتها التي كان لبعضهم حضور مؤثر ومشجع للشباب، منهم: الفنان عبد الحليم رضوي وسعد العبيد وبدرية الناصر وعبد الله الشيخ ومنيرة الموصلي وطه صبا.. إلى آخر بقية الأسماء المتميزة والمؤسسة لهذا الفن، مع ما شهدته من معارض جماعات الفن التشكيلي السعودي، منها جماعة الملتقى، وجماعة مسار، وجماعة فناني الرياض، وفناني بيت التشكيليين في جدة، والكثير أيضًا من المعارض التي كانت الصالة تعيش فيها حالة من المتابعة والرصد لكل حالات تطور أساليب الفنانين برسم بياني. فمنهم من حقق أسلوبها، وآخرون تنقلوا من أساليب إلى أخرى، وبعضهم تمسك بواقعيته، يقابلهم من سعى للحداثة، ووجد فيها منطلقًا، جمع فيه الفنان بين عصره وتراثه ومصادر إلهامه في وطنه الثري بكل تفاصيل الجمال تاريخًا وآثارًا. كما شهدت الصالة التقاء (الأصدقاء الأضداد كما يقال)؛ يختلفون في الرأي، ويجتمعون على الإبداع، ومنهم الأكثر إثارة للجدل التشكيلي كالفنانين الراحلين محمد السليم والرضوي اللذين حرص المحرر على التقاط صورة لهما معًا في معرض لفناني الخليج، أُقيم في الصالة. وكشفت الصورة ما يحملانه لبعضهما من علاقة لا تغيرها الاختلافات في الرأي، كشفتها الابتسامة المشتركة.
الفكرة وصاحبها والتشرف بما سُميت به
هذا المرور على تاريخ الصالة تهيئة لما تحدّث به من أدارها في مرحلتين مهمتين (البداية والختام)، ولكل منهم من الذكريات ما يستحق أن تُذكر، وفي مقدمتهم صاحب فكرة الصالة الشيخ والمربي الفاضل صالح البكر الذي سبق زمنه، وأضاف للتعليم مصادر أخرى، أراها جاذبة للطالب، ومحفزة لتطوير مواهبه، منها إنشاء هذه الصالة. وهو حديث تحدث به الشيخ صالح - رحمه الله - بفائض من الآمال بأن تكون الصالة منارة للإبداع. وكان ذلك الحديث في لقاء أجراه المحرر معه عام 1407هـ، أسهب فيه في الحديث عن الصالة، وما يمكن أن تكون عليه، بدءًا من عرض أنشطة الصالة، وصولاً إلى خدمة المجتمع ومؤسساته. وهذا ما حدث فيما مَرّ على الصالة من سنوات عمرها الخمس والثلاثين الماضية. وبما يعد له في معهد مسك من خطوات أصبحت الصالة شريكًا فيه. هذه الفكرة اكتملت بما أُطلق عليه باسم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - رائد الثقافة والشباب في زمن التأسيس لهذا التوجه. وقدم سموه - رحمه الله - ما يستحقه المبدعون من دعم؛ فكان له مع كل الإبداعات حضور شخصي وداعم لتقديم برامج.
ذكريات السنوات السمان والعجاف
أعود للندوة التي أقامها معهد مسك، ولمن أدار الصالة في أهم مراحلها، وهي مرحلة إطلاقها، والأخرى مرحلة احتضانها الفن التشكيلي المحلي والعربي، وأنشطة المؤسسات الأخرى التعليمية والخيرية، ومعارض التشكيليين الفردية والجماعية. تلك السنوات لا شك أنها حملت ذكريات، تحدّث عنها الفنان إبراهيم الفصام الذي أدار الصالة في أولى سنواتها الأربع، ثم حديث الفنان محمد المنيف عن الخمسة عشر عامًا، هي فترة إدارته لها. وتحدث الفنان إبراهيم الفصام عن فكرة الصالة التي يحملها الشيخ صالح البكر، وعما تم فيها بعد افتتاحها من معارض، كان أبرزها المعرض العام لأنشطة المعهد، وما صاحبه من معرض للفنان فهد الربيق، وتبع ذلك معارض تشكيلية للرئاسة العامة لرعاية الشاب، ومعرض للآثار، ومعرض للكتاب، حظيت بحضور وزيارات.. مشيدًا بما يقدمه المعهد من دعم للصالة في تلك الفترة.
بعدها تحدث الفنان محمد المنيف الذي أشار إلى أن الصالة فترة إدارته مرت بسنوات عجاف، وأخرى سمان، منها مواقف كادت تصل بها إلى مرحلة التوقف وإغلاقها لاختلاف توجهات بعض مديري معهد العاصمة النموذجي، ومنها ثماني سنوات بين فترة البداية التي أدارها إبراهيم الفصام إلى عام 1410هـ، وبيَّن ما تم فيها خلال إدارة محمد المنيف بدءًا من عام 1418هـ، وامتدت خمسة عشر عامًا؛ إذ لم يكن للصالة الحراك في تلك الفترة مع ما طالب به أحد مديري المعهد باستثمارها، وأخذ أجور من الفنانين لتغطية احتياجاتها. فمعهد العاصمة لا يستطيع وضع ميزانية خاصة للصالة من ميزانية التعليم؛ وهو ما دفع المنيف - كما قال - إلى الاستفادة من الكثير من المسؤولين في صالح الصالة؛ إذ تلقت الصالة دعم الأمير نواف بن فيصل بن فهد فترة رئاسته ورئاسة الرعاية العامة الشباب من خلال أحد معارض الرئاسة، وأضفت الرئاسة فيها تحسينات بتجديد الدهانات والإضاءة، وكذلك وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت التي كان الدكتور محمد الرشيد - رحمه الله - وزيرًا، لها وبمتابعة من الأستاذ إبراهيم القصير الذي شغل منصب المدير العام لمعهد العاصمة لمدة عام، أُنشئ فيها للصالة مراسم وصيانة للمكيفات.
كما أبان المنيف بعضًا من المواقف المحرجة، منها ما تتعرض له الصالة من افتقار للحراسة الملتزمة، واشتراط تأمين حراسة من الجهات العارضة، مع نقص الدعم الذي تحتاج إليه لتأمين الإضاءة وصيانة التكييف، كان منها أن توقفت المكيفات وقت وجود جمعية التشكيليين في الدور الأول لعجزها عن التسديد لعدم وجود ميزانية لها؛ وهو ما دفع الأمير فيصل بن محمد بن سعود الرئيس الفخري للجمعية لتقديم دعم غطى تكلفة الصيانة، مع ما أضفاه الضيفان من تعليقات حول دور الصالة وما أصبحت عليه اليوم في معهد مسك من وضع مختلف، لا يخضع للظروف، وإنما يقوم على قدرات مادية وبشرية، أعادت للصالة وهجها ودورها الحقيقي.