ناصر الحميدي
ربما لاحظت يومًا أنك تميلُ لشخصٍ ما رغم عدم معرفتك القريبة به، أو رُغم كثرةِ مشاكلك واختلافاتك معه!؟ بينما آخرُ قد لا تميلُ إليه رغمَ أنه بذل الغالي والنفيس، وبذل نياط قلبه لرضاك!؟ إنَّ هذا الشيء يشيرُ إليه العلم اليوم «بكيمياء العلاقة»!.. ولقد بدأ انتشار هذا المصطلح قديمًا في العالم الغربي، ولكن موجتهُ وصلتنا مؤخرًا؛ فصرتُ أرى الكثير يتحدثون عنه بالمقاهي والديوانيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
إنّني لا أرمي في حديثي هذا إلى المظهر الخارجي (الجمال) كداعٍ للميل النفسي إلى الشخص، فهناك من يمتلك جمالَ الوجه وفي المقابل قد لا يكون هناك تقبّل أو قبولٌ له؛ فالأرواح «جنود مجندة» كما قال عليه الصلاة والسلام، وتبقى النفس وأحاسيسها سراً مكنوناً لدى علام الغيوب سبحانه، وعملية التقبل والقبول تظلُّ مرهونةً بأصحابها كُلٌ على حده. والكتاب الأول الذي يتحدث عن «الكيمياء البشرية» قد ظهرَ في العام 1914، والذي أكد مؤلفه وليام فيبررن: أنّ «الإنسان ما هو إلا مجموعة من المواد الكيميائية التي تتفاعل مع غيرها من المواد الكيميائية الأخرى».
أما الهوايات المشتركة فقد تخلقُ أوقاتًا ممتعة، وهناك أيضًا النجاح الدراسي والمِهني والذي قد يُضفي الراحةَ المادية والفكرية في العلاقة.. ولكن هذه المظاهِرَ لا تُثبت شيئًا حيالَ قوةِ العلاقة في الأوقات الصعبة وعند الحاجة! وأيضا هناك التناغم والأُلفة واللين وحسن الخُلق؛ وكلّ هذه المعاييرِ قد تصلُ بالعلاقة إلى الرقي، لكنها لا تضمنُ تناغُمَ الأرواحِ الذي يجعل العلاقةَ كما قيل: مزيجٌ من المركبات الكيميائية التي إن اتفقت أعلنت تمازجَ الأرواح بشكل جميل، وإن تنافرت لوّحت في الأفق بدخان معلنةً انفجار القلوب!..
ختامًا:
لا بد لنا من القول: «إنّ لله في خلقه شؤون»؛ فقد تحمل الكيمياء بين البشر غرابةً قد تكونُ غير منطقية أحياناً؛ والعلاقات بشكلٍ عام أعقدُ من بضعة معايير! وكلَّما تعاظمَ نوعُ العلاقةِ من حيث القرب؛ كلّما قلّت فعالية هذه المعايير الظاهرة في إنجاح العلاقة.. فخذوها كمؤشراتٍ قد تخطئ أو تصيب، ولا تحمِّلوها صفة اليقين؛ فالحُب لا يعترف بمعايير مُعيّنة وشروط خاصة، فالحُب كيمياء عميقة تلامس القلوب، وأرواح تتلاقى وتسكن الأجساد لتحيا.