زكية إبراهيم الحجي
أستلهم موضوع هذا المقال من المقولة الشهيرة «كتاب الطفل الجيد هو الكتاب الذي يستمتع به قارئه وهو في العاشرة من عمره، ثم يساعده على اكتشاف الجديد عندما يبلغ الخمسين من عمره». فهل عرفنا الأطفال جيدًا حتى نكتب لهم أو عنهم؟
الكتابة للطفل فن وموهبة.. ثقافة وإبداع وممارسة.. وهي من أصعب المهمات الإبداعية بالنظر إلى عالم الطفل وما ينطوي عليه من خيال خصب واسع، يشبه إلى حد بعيد ريشة وألوان الرسام الموهوب.. خيال الطفل فضاء بلا حدود يتجاوز به ظروف الواقع وحدود الزمان والمكان؛ وربما يعود ذلك إلى أن أرصدة تجاربه العقلية في مهدها، وما زالت غضة وغير مكتملة؛ فيسعى إلى تغذيتها من خلال التصور الخيالي.
ولأن الكتابة الإبداعية جسر ممتد بين الأجيال، تحقق المتعة للصغار، وتقدم الحكمة للكبار، وتحمل فكرًا من جيل إلى جيل؛ لذلك فإن آلية الكتابة للطفل ما زالت تراوح مكانها ما بين محدودية مَن يمتلك القدرة الكافية على الكتابة للطفل وفق أسس علمية ووعي تربوي تام باحتياجاته، وبلغة سهلة قريبة من عقله ووجدانه، ومَن يكتب كتابات عشوائية، تفتقر إلى الأسس العلمية والمعايير النفسية والوجدانية للطفل، ويخلو محتواها من عناصر الجذب والتشويق.. يُضاف إلى ذلك أنها لا ترقى إلى مستوى معرفي وثقافي، يمكِّن الطفل من الوصول إلى نتاج فكري هادف.. فهل كل من كتب أو يكتب للطفل ملمًّا بمعايير ومواصفات صناعة الكتابة للطفل حتى يكتب له أو عنه؟
إن عالم الطفل فضاء من الخصائص والسمات.. وكم من أسئلة تعود إلى تحديات الواقع الذي يعيشه، ومحاولة لاكتشاف العالم المحيط به؛ وبالتالي البحث عن إجابة شافية ومقنعة. ولأن الطفل في هذا الفضاء هو ابن السؤال، ولأن ثقافتنا العربية ما زالت تميل إلى الخوف من أسئلة يطرحها الطفل؛ وذلك خوفًا عليه من تبعات طرحه أسئلة قد تتجاوز الحدود، وتدخل في طور الارتياب؛ لذلك فإن الكاتب المتمكِّن من مهارات الكتابة للطفل وفق المعايير والأسس العلمية والتربوية دائمًا ما يضع في حسبانه تناول ما قد يدور في خلد الطفل من أسئلة، ويعرض الإجابات مكتوبة، إما بأسلوب قصصي تربوي ولغة مبسطة، أو عن طريق معلومات معرفية تثقيفية، وبعبارات قصيرة وبسيطة وواضحة؛ ليسهل على الطفل فهمها.
وبالرغم من تميُّز حقل الكتابة للطفل بالكثير من الإبداع والحيوية لكل من يخوض مجاله بتمكُّن وحرفية متقنة ومغلفة بالهواية إلا أنه في الوقت ذاته حقل شائك؛ يحتاج إلى قدر عالٍ من الوعي والإدراك التربوي نظرًا لزيادة التحديات الراهنة المحيطة بمناخ التربية والتنشئة.