د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
كلما شارفت شمس اليمن على الإشراق حاول شياطين صعدة حجب نورها الذي يحمل في أشعته قناديل الخير والصلاح لأهل هذه البلاد التي طالما صدَّرت الحكمة إلى مختلف أصقاع المعمورة؛ حتى جاء الوقت الذي يجب أن يُفعِّل فيه اليمنيون هذه الخصلة التي اختُصت بهم، والتي سيكون بها خلاصهم من حالة الاختطاف التي تَلُفُّهُم منذ سيطرة عصبة الحوثي على مقاليد الدولة، وطمسهم لكل طيف جميل يمكن أن يحلم به أبناء اليمن الذي اختطف سعادته وحُلمه الإيرانيون إلى أجلٍ غير مسمَّى!
واجه اليمنيون الشرفاء العديد من العقبات التي حالت دون تحرير وطنهم من عصابات الإجرام الحوثية؛ فأطلت الفتنة برأسها القبيح لتنشر الفرقة والشتات بين أبناء الوطن الواحد؛ عندها تدخلت مملكة العزم والحزم التي طالما كانت عونًا وسندًا لأبناء الشعب اليمني على مر التاريخ؛ فها هي تقف بكل قوة وإصرار لتضع بعزيمتها الواثقة أبناء اليمن على الصراط المستقيم، وهذا هو ديدنها مع جُلّ أبناء العروبة و الإسلام، فهذا الموقف الثابت الذي تتبناه المملكة تنطلق فيه عبر قيمها الإسلامية والعربية الراسخة التي تستمدها من راية التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، التي ترفرف خفاقة في سمائها لتعانق هام السحاب.
كانت المملكة ولا تزال خير عونٍ للعرب والمسلمين في كل أنحاء العالم، فوقفاتها المجيدة مع أبناء هذه الشعوب سطرها التاريخ بمدادٍ من ذهب، فقد حقنت دماء اللبنانيين الذي عجزوا عن الاتفاق وطحنتهم رحى الحرب، فكانت المملكة خير من يرشدهم إلى الطريق الصحيح فتحولت لبنان بعد اتفاق الطائف عام 1989م؛ من جمرة غاضبة تحرق كل من يحاول الاقتراب منها إلى روضة غناء مبهجة تسر الناظرين، أما مبادرة المملكة إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990م؛ فلم تكن عادية فما إن أعلنت سعودية العزمات عن موقفها حتى تسابقت دول العالم شرقًا وغربًا إلى إدانة الغزو والتضامن مع الكويتيين الذين صمدت المملكة معهم سياسيًا واقتصاديًا وتنمويًا حتى عادوا إلى بلادهم بعد انسحاب العراق، فكلمات الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - ما زال يتردد صداها في بيت كل مواطنٍ كويتي شريف، «يا تبقى الكويت والسعودية يا ننتهي مع بعض»، وهذا غيض من فيض سعودية الحزم.
إن ما حدث بعد اتفاق الرياض الذي رعته المملكة للمصالحة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي إلى جانب مشاركة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وما تلاه من تأييد الدول الكُبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والدول العربية والخليجية المُؤثرة يعيد الذاكرة إلى تلك المواقف الخالدة التي اتخذتها المملكة على مر التاريخ؛ فكانت سببًا في إنقاذ أُمم وشعوب من دمار وخراب شامل. ولن أسترسل في سرد النماذج التي تُبرز مكانة المملكة في وقوفها مع الحق ومواجهة الباطل، وبثها للسلام في أنحاء العالم كافة فهي كثيرة ولا يمكن حصرها، فالسعودية دائمًا وأبدًا صمام الأمان للعرب والمسلمين.
يُمثل الملف اليمني بالنسبة للمملكة أحد أهم الملفات السياسية، فعمدة الخليج طالما كانت حريصة على أمن اليمن واستقراره ووحدة أراضيه، كما أنها تسعى لتطهيره من النفوذ الصفوي الذي عاث في البلدان العربية فسادًا، ولعل ما يحدث في العراق ولبنان من لفظٍ للعبث الإيراني في هذه الدول هو ما حذرت منه المملكة منذ عقود!
إن اتفاق الرياض الذي عُقد العام المنصرم بعناية كريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحضورٍ بهي لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - يؤكد حرص المملكة على الشأن اليمني، فهذا الاتفاق يُبشِّر بفجر جديد لهذا الوطن الطامح الذي شأنه أن يكون بَلدًا حُرًا أبيًا، وهذا ما جعل الأمير محمد يراهن في كلمته على حكمة أبناء اليمن عندما قال: «إن المملكة على مر التاريخ داعمة لليمن، وهذا الاتفاق يمثل خطوة نحو الحل السلمي وإنهاء الحرب في اليمن»، «وإن حكمة أبناء اليمن تسمو فوق كل التحديات»، وهذا ما سيكون - بإذن الله، وبقي على أبناء اليمن الشرفاء أن يضعوا أيديهم في أيدي بعضهم من أجل مستقبل وطنهم ووحدته، وليتحرر يمن العروبة والإباء من هذه الطغمة الفاسدة التي تحاول تجريده من عروبته وإسلامه؛ فاليمن لن يكون إلا عربيًا رغم أنوف الفرس!
فاصلة:
سلمانُ للمجدِ والأيامُ مُسعفةٌ
أكرمْ به حاميًا للجارِ والحسبِ
لما دعاهُ إلى الهيجاءِ أشعَلها
بالحزمِ والعزمِ والشّداتِ والوَصبِ
في لمحةِ البرقِ رأيٌ يستنيرُ بهِ
حتّى هداهُ إلى الغارتِ والشُّهُبِ