ميسون أبو بكر
الأمسية التي نظمتها وزارة الثقافة مؤخرًا في مركز الملك فهد الثقافي، وجمعت مبدعين ونقادًا من جيل الثمانينيات، إنما هي التفاتة جميلة، ومحاولة دؤوبة من الوزارة لعرض المشهد الثقافي السعودي عبر فعالياتها المتعددة، بأطيافه المختلفة، وأجياله المتعددة، دون إغفال مرحلةٍ ما، بمبدعيها ومنتجها الثقافي الإبداعي.. ولكن تلك الحقبة الثقافية التي حضرت في الأمسية ككبسولة زمنية في غرة عام 2020 أبت إلا أن تحمل معها سجالات ونقاشات، نشّطت تلك الحقبة، وأثارت ما أثارته من سجالات وخلاف رأي في إشكالية العلاقة بين النقد والإبداع.
لطالما كان النقد - من وجهة نظري وكثيرين - ملازمًا للإبداع، يرتقي به، ولا يقلل من شأنه أبدًا. وأعني بهذا النقد العملي الذي خرج من أسوار الجامعة وقوالبها الجامدة. كذلك أقصد النقد الذي يتخطى المزاجية والمجاملة؛ فهو يحيا، بوجود النص ويموت أو يغيب بغيابه.
وإن تخطينا النقد الانطباعي إلى نقد ممنهج وعميق فسوف نحظى بدراسات عظيمة من نقاد مهمين في المملكة العربية السعودية، أنعشوا روح النص الأدبي، ووضعوه في الواجهة؛ لذلك اختلف في الأمسية الناقد محمد العباس مع الأديب الروائي عبده خال حين قال الأخير إنه لم يقرأ يومًا أي نقد عن كتاباته، ولا يأبه بالنقد مطلقًا.
من وجهة نظري، إن روح النقد اليوم اختلفت، ودخل المتلقي شريكًا للناقد، كما رفض المتلقي الجمل المقعرة في النقد، والمصطلحات غير المتداولة، أو تلك العصية على الفهم.
ويعتبر حليم بركات أن الثقافة هي رؤى الحياة وتصوراتها، والإبداعات والفنون الأدبية بأجناسها، شعرًا ورواية وقصة ومسرحًا وفنًّا ونحتًا وموسيقى، كما يدرج الثقافة النقدية؛ فالمشهد الثقافي هو مشهد متكامل، لا ينقص فيه شيء من شيء، والمثقفون والمبدعون هم الحراك الحقيقي في المشهد ومرآته.. والحوارات والنقاشات التي لا تصل لخلاف أو تلاسن هي صحية؛ تنعش هذا المشهد. والأمير الشاب وزير الثقافة الأمير بدر الفرحان أراد أن يكون الحراك متكاملاً، تحضر في مناسباته كل الأقطاب والأطياف؛ وذلك ضمن سعيه الدؤوب في وزارة تقدِّم ثقافة هذا الوطن داخل حدودنا، وتحملها للآخر؛ لتعبِّر عن واقع هذه البلاد وثرائها.
ولأن الإعلام هو القناة التي تصل المثقف بالمجتمع فإن الثقافة في المملكة تحتاج إلى إعلام ثقافي متخصص، وإعلاميين متخصصين في الشأن الثقافي؛ كي تواكب هذا الحراك، وتقدمه بما يليق به؛ لتفرض الثقافة وجودها في حلبة السباق مع موقع المملكة الاقتصادي والسياسي.
تحية للأديب محمد علوان الذي أشرف على الندوة، وكان له بصمته الخاصة فيها، وهو الروائي الذي لطالما أدهشنا حَرْفه، وأتحفتنا الرحلة بين ضفاف فكره. كما التحايا للعدد النسائي الكبير من الحاضرات الذي فاق عدد الرجال في المدرج، وكذلك للحضور النسائي على المنصة، وأشير هنا بمحبة لأولوية تقديم تكريم النساء المشاركات في المرات القادمة.