محمد آل الشيخ
أنا من متذوقي الشعر الشعبي، وأعتبره يُجسد بعفويته ذوق وتاريخ شعوب منطقتنا بأتراحها وأفراحها، غير أن مرثية شعبية اطلعت عليها أجزم متيقنًا أنها لا تمت لمنطقتنا ولا لذوق شعوبها ولا لشعرنا الشعبي بأشكاله المختلفة بأي صلة. وهي قصيدة كتبها الشاعر القطري محمد بن الذيب يرثي فيها الإرهابي الهالك (قاسم سليماني)، فيها من التجاوزات العقدية فضلاً عن الإسفاف الإخلاقي، ما يخجل منه كل إنسان عربي أصيل مسلم يدين بهذا الدين على مذهب أهل السنة والجماعة، ينحدر من أرومة عربية تضرب بجذورها في أعماق العروبة ومحتداها، كالقبيلة الكريمة التي ينتسب إليها هذا الشاعر. وليس لديَّ أدنى شك أنه كتبها إما بإيعاز من حكام قطر الحاليين، أو أن بيئة قطر الثقافية، ومزاج أهلها قد تغير تغيراً جذرياً وصل ببعضهم إلى المساس بالعقيدة وثوابت العروبة. وأنا بصراحة أرجح أنه تم بإيعاز من حكام قطر، فهم من بادروا إلى شد رحالهم إلى طهران، ليقدموا العزاء في هلاك هذا الإرهابي الذي اتفق العالم كله أنه مجرم حرب، أهرق من دماء العرب الآلاف.
من قال لي إنه كتب قصيدته مجبرًا أحد الأصدقاء القطريين، الذي أكد أن هذا هو المتداول في الدوحة، فالحاكم الذي أجبره أراد أن يصيب عصفورين بحجر، فهذا الشاعر يكن له الأمير الوالد حقدًا دفيناً على قصيدة هجائية تعرض فيها لبعض الحساسيات لأسرة البيت الحاكم، وسجنه حمد بن خليفة سجناً مهيناً بموجب حكم قضائي مفبرك مدى الحياة، غير أن ضغوطًا قبلية تضافرت تطالب بالعفو عنه وإطلاقه، أثمرت عن إطلاق سراحه بعد إلحاح توسط فيه علية القوم كما يقولون. أي أن حمد أفرج عنه مضطرًا لا مختارًا، وعندما تم قتل قاسم سليماني (أجبره) على أن يرثيه ليقضي عليه اجتماعيًا بين أفراد قيبلته، فليس لديَّ أدنى شك أن هذه القصيدة جعلت شعبيته، سواء داخل قطر أو خارجها في الحضيص؛ ولا أعتقد أن ابن الذيب على هذا القدر من الغباء وعدم تقدير الأمور حق قدرها لينتحر اجتماعيًا وأخلاقيًا والأهم من كل ذلك دينياً؛ وكما يقولون: الضرورات تبيح المحظورات، لذلك دعونا نتلمس له عذرًا، وأرجو أن يكون كذلك، فالإكراه في الشريعة يسقط التكليف.
أما إذا كان قد كتبها عامداً متعمدًا، وهو بقواه العقلية الكاملة، فقل عليه السلام، فقاسم سليماني مجرم قاتل سفاح، قتل من العرب ما يجعله مجرم حرب تكتمل فيه كل أركان الجريمة، فقد قتل من العراقيين والسوريين بل والإيرانيين أنفسهم الألوف، ولم يطلق على الإسرائيليين رصاصة واحدة؛ ما يجعل من يرثيه كمن يرثي هولاكو أو جنكيز خان أو هتلر، أضف إلى ذلك أن مرثيته هذه سيُلاحقه عارها حتى يموت، بل وسيلحق العار أبناءه إذا كان له أبناء بعد موته. ويقول العرب: رب كلمة قالت لصاحبها دعني، ولكنه لم يدعها، فأوردته المهلكة.
إلى اللقاء