حمّاد السالمي
« في المنتدى الدولي (دافوس 2020) الذي عقد قبل عدة أيام؛ بدا أن العالم ينظر إلى الأمام بكل قوة. تقنية عالية. ثورة صناعية رابعة. تنمية بشرية. كنت أتابع ما ينشر عن دافوس متذكرًا زمن أجدادنا وآبائنا -رحمهم الله جميعًا- كانوا يتعجبون من ظهور السيارات والراديوهات في وقتهم..! وكانوا يرددون فيما بينهم: (في آخر الزمان؛ ينطق الحديد ويقرب البعيد)..! أكثر هؤلاء؛ من المخضرمين الذين عاشوا مرحلة ما قبل وما بعد السيارة والراديو بطبيعة الحال.
« تذكرت هؤلاء وتثاقفهم الجميل في مجالسهم ومواقفهم أيضًا مما يحدث ويستجد، واستحضرت بهذه المناسبة؛ بعض ما ورد في مقالة مترجمة للدكتور (Robert Goldman). المقالة تحمل الكثير من الدهشة فيما يتعلق بمستقبل هذا العالم. كيف عالمنا وعالم الأجيال من بعدنا غدًا..؟ ماذا ينتظر البشر في غدهم بعد عقد من الزمان أو عقود قليلة..؟
« حاليًا؛ يزيد عمر الإنسان التقديري بمقدار ثلاثة أشهر كل عام. وفي عام 2036، ستصبح هذه الزيادة عامًا كاملاً كل عام، أي أنه من المقدر مستقبلاً أن يعيش معظم البشر لفترات تزيد كثيرًا عن 100 عام بإذن الله.
« هل تعلم أن هناك اليوم تطبيقًا يخبرك عن مزاجك الحالي من خلال معالم وجهك، وسينتج مستقبلاً تطبيق على الهواتف الذكية لكشف الكذب من خلال معالم الوجه. تخيل أثر هذا التغيير على المناظرات السياسية، وأنت قادر على معرفة الصادق من الكاذب..! إن شركة فيسبوك تمتلك برمجية تتعرف على الوجوه بدقة أعلى أيضًا من قدرة الإِنسان، ومن المتوقع أن يتغلب ذكاء الآلة على ذكاء البشر في عام 2030. وهل تعلم أنه في خلال العشرين سنة القادمة هناك 70 - 80 في المائة من فرص العمل الموجودة اليوم ستختفي، وسيتغير العالم بشكل كبير جدًا، هل نحن جاهزون لهذا..؟ أما صحيًا؛ فسيتم إنتاج برمجيات تقيس مؤشراتك الحيوية من خلال هاتفك، وفي المستقبل؛ سيمتلك كل إنسان عناية صحية عالية الجودة وبالمجان، وكل ذلك عبر الهاتف.
« تقنية رهيبة قادمة من خلال (الطباعة ثلاثية الأبعاد). إن سعر الطابعة الواحدة ثلاثية الأبعاد انخفض من 18000 دولار إلى 400 دولار في عشر سنوات فقط، وبسرعة مضاعفة. وشركات الأحذية بدأت باستغلال هذه التقنية، والأمر ذاته في صناعة الطائرات والمحطات الفضائية. ومع نهاية هذا العام، سيتم إنتاج هواتف ذكية بخاصية (3D Scanning) بحيث ستستطيع قريبًا مسح قدمك عبر هاتفك، وطباعة حذائك في بيتك..! وفي الصين؛ استطاعوا مؤخرًا صناعة مبنى كامل من ستة طوابق بخاصية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وبحلول عام 2027، سيصبح 10 في المائة مما تصنعه دول العالم قاطبة؛ يستخدم هذه التكنولوجيا العجيبة.
« في العام الفارط 2018م، تم إنتاج أول سيارة مؤتمتة دون سائق. وفي عام 2020م، ستغزو هذه التكنولوجيا الأسواق، وستدمر سوق السيارات التقليدية، وعندها لن تحتاج لامتلاك سيارة..! ستستدعي سيارة بهاتفك، وستقلك إلى المكان الذي تريد، ولن تحتاج حتى لاصطفافها. أطفالنا لن يمتلكوا سيارات، ولن يحتاجوا لإصدار رخصة قيادة، لأن عدد السيارات سيقل بنسبة 90 - 95 في المائة. وبامتلاك هذا النوع من السيارات، ستقل الحوادث، لتصبح حادثًا واحدًا في مساحة 10 مليون كم، وستحافظ على حياة البشر أكثر. معظم شركات السيارات التقليدية ستفلس..! هم يحاولون الآن تبني طرقًا ثورية جديدة في التصنيع، ولكن لن يتغلبوا على شركات مثل (Google وTesla وApple) التي تصنع كمبيوترًا متحركًا على عجلات. شركات تأمين السيارات ستواجه مشكلات عظيمة وحقيقية، وستختفي هي أيضًا لعدم الحاجة لها. التأمين سيصبح أرخص بمئة مرة عمّا هو عليه اليوم. قطاع العقار سيتغير كذلك، لأنك ستفضل الإقامة في أماكن بعيدة عن المدينة طالما فرصة عملك من البيت سانحة ومتوافرة..! السيارات الكهربائية ستصبح منتجًا رئيسًا في عام 2020، والتلوث سيقل، والمدن ستكون أكثر جمالاً. ويمكن بكل بساطة؛ ملاحظة تراجع استهلاك الوقود التقليدي خلال 30 عامًا الماضية فقط. في هذا العام تحديدًا، عدد المحطات الشمسية تتفوق على نظيراتها التقليدية في دول العالم أجمع.
« في العام 1988م، كانت كوداك توظّف 170 ألف موظف، وتبيع 85 في المائة من الصور الورقية في العالم..! بعدها بسنوات قليلة؛ أفلست الشركة، وفقدت قوتها التنافسية بشكل كبير جدًا. ما حدث لشركة كوداك، سيحدث لكثير من القطاعات في السنوات العشر القادمة، والكثيرون لم يفهموا بعد هذه التغييرات المتسارعة. فالبرمجيات ستدمر كثيرًا من الصناعات التقليدية في مدة زمنية تراوح بين خمس وعشر سنوات. فشركة (Uber) أكبر شركة (تاكسي) في العالم، وهي لا تملك سيارة واحدة. وشركة (Airbnb)؛ أكبر شركة فندقة في العالم، وهي لا تملك عقارًا واحدًا..!
« يقول الكاتب: الكمبيوترات أصبحت تفهم أكثر فأكثر الوسط المحيط. في الولايات المتحدة الأمريكية؛ المحامون الشباب بالكاد يحصلون على عمل، خاصة بعد اختراع شركة (IBM) للحاسب (Watson)، الذي يستطيع تقديم مشورات قانونية في غضون ثوان، وبدقة 90 في المائة، بينما الإنسان المحترف؛ دقته لا تتعدى 70 في المائة. في المستقبل؛ سيقل عدد المحامين بنسبة 90 في المائة، ولن يبق إلا المختصون. كمبيوتر (Watson)؛ يساعد حاليًا بتشخيص السرطان، وبدقة أعلى بأربع مرات عن الطبيب البشري. ثم ينصح الكاتب ويقول: (لهذا.. إذا كنت تدرس القانون، توقف حالاً)..!
« وأقول في نهاية الكلام: أيها السيدات والسادة؛ لنكن واقعيين.. أن جيلنا شاهد على الدخول في مرحلة (تشييء البشر). الإنسان القادم سيصبح مجرد رقم أو رمز لا أكثر، وكذا ما يدور في فلك هذا الإنسان من مجريات حياتية في شتى الميادين. من ينظر منا إلى الخلف كثيرًا؛ عليه أن يتوقف فورًا. قريبًا سيبقى هو وحده في هذا الموقف.