فيصل خالد الخديدي
اللون بالنسبة للفنان حياة ممتدة بجميع تفاصيلها, يعشق باللون, ويغضب باللون ويحلم باللون, ويتحدث باللون، ويوثق به ملامح مشاهداته اليومية, ويعيش به حياة أخرى تضاف للحظات حياته. ومتى ما كان الفنان صادقًا مع فنه ومتصالحًا مع ذاته ومع من هم حوله من جميع الموجودات بشرية كانت أو مكانية، متى ما كان خبيرًا في التعاطي مع أطياف اللون المختلفة سامحاً لها بالولوج في منطقته الحميمية في أعماله والركض في مضمارها بكل جرأة وانتظام دونما ملل أو تعقيد, وبساطة الفنان في تعامله مع اللون بأعماله يلقي بظلاله على المتلقي ليصل إليه إحساس الفنان دونما تعقيد ولا مواربة أو تضليل, ولعل الفنان محمد آل شايع في معرضه الشخصي (ثلاث نقاط) قدم كل ذلك الإحساس وأكثر في تعامله مع اللون بأعماله في هذا المعرض فكانت أشبه برسم بياني يرصد يوميات الفنان في علاقته مع البشر ومع المكان معبراً باللون عن مختلجاته ومصافحاً الأصدقاء بمختلف ألوانهم في عمل أو أكثر ومحتضناً مجموعة أصدقائه الأقرب لوناً له بلون دافئ تارة وأحادي تارة أخرى، فلون محمد علاقته طردية مع مشاعره ومرئياته أيضاً، فبيئته الجنوبية الزخرفة والمباني حاضرة في أعماله وبألوانها المباشرة أو بألوان معادة صياغتها بشيء من البساطة والتلخيص الذي يمتد أيضاً لأشكاله، فالشكل بأعمال محمد بسيط في خطوطه وعناصره يصل في بعض الأعمال إلى غياب الشكل وبقاء أثره في كتل لونية متجانسة التكوين متباينة الكُنه، وفي قلة من الأعمال يؤكد الشكل ويثري تفاصيله كما حدث في بعض الأعمال أعطى الجسد الأنثوي تفاصيل انسيابية مع أنفاس زخرفية أظهرت جمالياته، كما أن الفنان محمد قدم في معرضه هذا - والذي يعتبر المعرض الشخصي الثالث له - شيئًا من بقايا تجاربه السابقة حضرت إلى جوار تجربته الحالية ومهيئة لتجاربه القادمة، ألقى شيئًا من مفاتيحها التي ربما تكون محورًا لأعمال قادمة بتلخيص أكثر للشكل واتساق أكبر لمجموعة الألوان المتوافقة وبحضور فلسفة لا تبتعد عن شخصية الفنان في تعاملاته مع الجمال ببساطة وعدم تكلف، فصدق الفنان مع فنه ومحيطه انعكس على منجزه الذي يصل جماله بسلاسة بعيدة عن التعقيدات.