خالد بن حمد المالك
ظهرت المؤشرات الأولى على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون على موعد مع رئيس عصي على الترويض خلال حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، فقد عادته وسائل الإعلام، وظلت المكنة الإعلامية تتحدث عنه سلباً، وتنعته بما كانت تعتقد أنها قادرة على هزيمته مبكرًا قبل الوصول إلى البيت الأبيض، بل حتى حزبه الجمهوري لم يكن مرشحه الأفضل والمقنع لهزيمة مرشح الحزب الديمقراطي المنافس.
* *
لكنه ومثلما هزم كل مرشحي الحزب الجمهوري، فقد تمكَّن من كسب أصوات الناخبين ضد منافسته من الحزب الديمقراطي السيدة كلينتون، بفضل إدارته لمعركته اعتمادًا على صوت الشعب، واللغة الجاذبة في مخاطبته المثيرة لهم، والوعود المغرية التي أطلقها لاستمالتهم نحوه، غير مكترث بما كان يروّج له الإعلام وخصومه، بأنه رجل أعمال، وبلا خبرة في السياسة، وأنه لن يكون قادرًا على قيادة الدولة العظمى في العالم.
* *
كان الاصطفاف قويًا ومتماسكًا ضد الرئيس ترامب، وتواصل حتى بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، فجاء التشكيك بنتائجها، ودور التدخل الروسي بما آلت إليه العملية الانتخابية من نتائج لصالح الرئيس ترامب، وتوالت الاتهامات ضده، وتبنى خصومه عدداً من القرارات والمواقف المضادة لسياسة الرئيس مدعومين إعلاميًا، إلى أن وصل الأمر أخيرًا إلى محاكمته، بأمل أن يتم عزله كما يريد الحزب الديمقراطي المنافس للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس ترامب.
* *
كان اختيار التوقيت لمحاكمته قبل شهور من بدء الانتخابات الرئاسية متعمدًا، ففي عزله - لو أنه تم - إقصاء رئيس عنيد وقوي عن منافسة مرشح الحزب المنافس، وإرباك للحزب الجمهوري في اختيار مرشحه البديل للانتخابات القادمة، لكن مخطط الديمقراطيين فشل من خلال مداولات المحاكمة، وصولاً إلى التصويت في مجلس الشيوخ بأن الرئيس غير مذنب في التهمتين لعزله وهما عرقلة عمل الكونغرس، وإساءة استغلال السلطة، مما سوف يقوي موقف الرئيس وحزبه في الانتخابات القادمة.
* *
الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية الرئيس ترامب، شخصية مختلفة عن كل الرؤساء الذين سبقوه إلى البيت الأبيض، سواء في تعامله مع خصومه، أو مع الإعلام، وحتى مع حزبه، بل وفي لغة الخطاب لديه، وأسلوبه في إيصال رسائله إلى الناخبين، وقراراته الصارمة خارجيًا، بما جعله رئيسًا مثيرًا للجدل، وشخصية غير معتادة، إذ إنه يتعامل مع جميع الدول - بما فيها أصدقاء وحلفاء أمريكا - على أن أمريكا أولاً.
* *
وبلا جدل، فقد خدم الحزب الجمهوري بأكثريته في مجلس الشيوخ الرئيس ترامب بإفشال ما خطط له الحزب المنافس، ونجح في طي الصفحات الكثيرة من الاتهامات، موقعًا - كما كان متوقعًا - هزيمة مدوية في حق الديمقراطيين، وقد ظهرت آثارها قبل بدء التصويت عندما امتنع الرئيس ترامب عن مصافحة ألد خصومه السيدة ببلوسي رئيس مجلس النواب ذي الأكثرية من الديمقراطيين خلال إلقاء خطاب الاتحاد لترد عليه بتمزيق نسختها من خطابه في مشهد لا يتكرر إلا حين يصدر عن رئيس مختلف.
* *
كان رد فعل الرئيس دونالد ترامب إثر الإعلان عن نتائج التصويت في مجلس الشيوخ بتبرئته من التهم مثيرًا وقويًا، وظهر -كما عهده العالم- عنيدًا، وواثقًا، بأنه سيكون رئيسًا إلى الأبد، وليس المقصود هنا أن يكون إمبراطوريًا، وإنما هو من باب التأكيد على أن إنجازاته وسياساته، ستكون ملهمة لمن سيدخل البيت الأبيض من بعده، وهناك من نظر إلى تغريدة الرئيس على أنها من باب السخرية من الديمقراطيين، والزهو بأن أحدًا لا يستطيع أن يهزمه.
* *
هذه النتائج لمحاكمة الرئيس، سوف تعزِّز فرصته للتجديد له، ووقوف حزبه إلى جانبه بأكثر مما كان في ولايته الأولى، وربما تكون تبرئة الرئيس من التهم الموجهة إليه سببًا في ضعف الموقف الديمقراطي في الانتخابات القادمة، وفي المقابل فإنها تشكل عامل قوة لدعم التجديد للرئيس ترامب، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، وحقق خلال رئاسته الأولى من النجاحات ما يغري ناخبيه بالتجديد له، ومساندته أمام أي منافس ديمقراطي قادم لانتزاع الرئاسة منه ومن حزبه.