د. فهد صالح عبدالله السلطان
غالبًا ما تشتكي الأجهزة الحكومية والشركات الخاصة من تدني إنتاجية العاملين هنا وهناك.. وفي معظم الحالات فإن المنظمات، سواء حكومية أو خاصة، لا تقف على الأسباب الرئيسة لتراجع الإنتاجية، وتُلقي باللائمة على العاملين أنفسهم على اعتبار أن سلوكهم العملي أو مهنيتهم أو طبيعتهم البشرية مسؤولة عن تدني مستوى إنتاجيتهم. وهي أحكام يشوبها كثير من الضعف واللاموضوعية..
الحقيقة أن رضا العاملين ومستوى إنتاجيتهم ليسا موضوعًا اجتهاديًّا، ولا يخضع لرأي عاطفي من قِبل إدارة الموارد البشرية، أو الرئيس الأعلى في الجهاز، وإنما يجب أن يُبنى على مسوحات ومعايير علمية موضوعية، تم تصميمها من قِبل مدارس الإدارة العلمية، يتم من خلالها معرفة مستوى رضا العاملين وإنتاجيتهم، والوقوف على الأسباب الفعلية لعدم الرضا الوظيفي وتدني الإنتاجية.
وفيما يأتي يسعدني أن أشارك القراء الكرام نتائج الدراسات الإحصائية الحديثة التي أعدها ونفذها معهد القيادة والإدارة العالمي في المملكة المتحدة ILM، المعهد الذي يحظى بتقدير عالمي على المستوى الأكاديمي والعملي؛ إذ أنهى المعهد للتو أحدث دراسة لقياس مستوى الرضا الوظيفي للعاملين خلال عام 2019. وكان من أبرز نتائج الدراسة:
1- إن مستوى المرتبات أو المقابل المادي للعاملين لم يكن السبب الأول والرئيس لعدم رضا العاملين
2- أشار 68 % من العاملين إلى أن تطوير قدراتهم وتدريبهم أهم بالنسبة لهم وأكثر تحفيزًا من مرتباتهم.
3- فقط 24 % من العاملين راضون بشكل جيد عن مسؤولياتهم وأدوارهم الوظيفية؛ وهو ما يعني أن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ذو أثر كبير على مستوى الرضا الوظيفي ومستوى إنتاجية الموظف.
4- 47 % من العاملين لديهم شعور بعدم تقديرهم من رؤسائهم.
5- 33 % من العاملين لم يكونوا راضين عن بيئة العمل.
6- 36 % من عينة الدراسة لديهم طموحات في تولي أعمال قيادية في عام 2020.
ما الذي يمكن أن نستفيده هنا في مملكتنا الغالية من نتائج دراسة علمية، أعدها معهد متخصص مرموق؟
أولاً: الدراسة تضع علامات استفهام كثيرة أمام بعض المفاهيم الخاطئة في إدارة القوى العاملة. فعلى سبيل المثال: هناك اعتقاد خاطئ بأن المقابل المادي للعمل هو الحافز الرئيس للرضا الوظيفي والإنتاجية.
ثانيًا: الدراسة تمثل حافزًا لنا للوقوف - بشكل موضوعي علمي - على مستوى رضا العاملين، ومستوى إنتاجيتهم في قطاعَي الأعمال والحكومة. والوقوف على ما إذا كانت إنتاجية العاملين الحالية تعيق أم تعين برامج التحول الوطني!
ثالثًا: لعل من المناسب تبني مبادرة لإعادة هيكلة إدارة الأفراد، والاستثمار في رأس المال البشري، والعمل على تبني برامج التمكين المناسبة بما يساعد على تنفيذ برنامج التحول الوطني بشكل موضوعي.
وباختصار: إننا إذا أردنا لبرامج التحول الوطني أن تحقق أهدافها وتطلعات القيادة فإننا مطالبون بتبني مبادرة منهجية حديثة للاستثمار في رأس المال البشري، وبوضع اعتبار كبير لتطوير قدرات العاملين، وتمكينهم، وتعزيز مستوى الرضا الوظيفي لديهم؛ وبالتالي زيادة إنتاجيتهم. فمن المتفق عليه علميًّا وعمليًّا أن تحسين أداء الأجهزة، وتحقيق أهداف التنظيم، يعتمد على بُعدين بشكل متكامل: آلية العمل، والقوى البشرية.
فهل إلى ذلك من سبيل؟