عطية محمد عطية عقيلان
من القصص الطريفة التي تحكى أن هناك شخصاً كان يتوهم أنه «حبة قمح» ويشعر بالدجاج ينظر إليه وينتظر الفرصة المناسبة حتى يأكله، وبعد جلسات مطولة استطاع الطبيب النفسي أن يقنعه أنه ليس حبة قمح وذهب مسروراً ليمارس حياته الطبيعية.. ولكنه بعد فترةً عاد إليه وطلب منه بأن يقنع الدجاج أيضاً أنه ليس حبة قمح.
لذا في حياتنا وعبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي سهلت نشر وعرض الأفكار وترويجها نرى ونسمع العديد من القصص والحكايات تتخيل أن الذي يطرحها ويتداولها ويغرد بها دون تمحيص أو تفكير بأنه فعلاً مجرد حبة قمح ولكنها ليست صالحة للاستهلاك نتيجة تسوسها.
فنرى بعض تصرفات مشاهير (السوشل ميديا) وما ينشرونه من أفكار وتصرفات وتجاوزات وكيف يتحول إلى ناقد ومنظر وممارس للرقابة المطلقة وإصدار الأحكام والتوجيه (رغم حصيلته العلمية والثقافية الضعيفة) ويتفاخرون بأعمالهم وخروقاتهم للقوانين واستهتارهم بها وبطريقة مسيئة لمجتمعاتهم وأوطانهم، سلوكهم يشعرك بأنهم مجرد حبة قمح ضربتها الرطوبة وسوء التخزين.
ومع كل مغرد متنمر مناكف سوداوي متصيد للأخطاء وعارض للشاذ من الأخبار ويضخمها ويفتي في كل الأمور ويعلق ولا يقبل بالنقد وتعدد الآراء واختلاف وجهات النظر تقوده العاطفة والميول في تعليقاته ترى السوس ينخر في تغريداته وأرائه، ولكل مستغل لحاجة الناس ومتلاعب بظروفهم وعرض ما يقدمه لهم وتصوير ذلك دون مراعاة لهم فقط من أجل تسجيل إنجاز ليكسب مشاهدين ومتابعين دون رادع إنساني تتمنى فعلاً أن يعتقدون أنه مجرد حبة قمح.
فأكبر ما نواجهه في الإعلام الجديد وسهولة الانتشار وطرح الآراء التي ساهمت في ظهور مشاهير ومفكرين وأدباء ومهن وألقاب جديدة «كخبير ومحلل ومطور ومدرب تنمية بشرية... إلخ».. فصرنا نرى في حياتنا مشاهير من النوع الذي يعتقد أنه مجدد ومطور في حياة الناس وأن ما يقوم به من حركات ومشاركات هي من باب المساهمة في تطور ورقي المجتمع ورفع وعيه، فهم كصاحبنا أعلاه المتوهم بأنه حبة قمح، فهم يتوهمون بأن ما يقومون به ويفعلونه من سماجات وسخافات أنه تغيير وتطوير وتثقيف للمجتمع، بل نرى أغلبهم يروج لأفكار أو محلات أو أشخاص بهدف الاستفادة المادية البحتة وتتغير آراؤه أو تعليقاته حسب المبالغ المدفوعة، ورغم انكشاف أمرهم في أكثر من حادثه لكن متابعيهم ينسون ذلك وأنهم مجرد (حبة قمح) لكنها غير صالحة للأكل من سوء التخزين والرطوبة.
فنحن بحاجة للتدقيق والتمحيص مع الذين نتابعهم ونتواصل معهم للتأكد من صلاحية أقوالهم وأفعالهم واستبعاد السيئ وغير الصالح للتفاعل أسوة بما تقوم به الجهات الرقابية من فحص حبات القمح لاكتشاف التي ضربها السوس وأتلفها حتى لا تضر بصحة المستهلك كما ألزمت الشركات المستوردة للقمح بمواصفات ومقاييس لا بدّ من الالتزام بها ومراعاتها، وأملنا أن تكون هناك معايير حقيقية واقعية وواضحة وتطبيق ما تقوم به الجمارك والجهات الرقابية مع القمح الفاسد، وأن يكون هناك رفع لوعي الناس بعدم التغاضي عن أخطائهم وومنحهم فرصة استغلالنا لتحقيق شهرة لهم ومن ثم يعبثون في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تجعلهم يحرصون أن يكونوا كحبة القمح الصالحة مغذية ومفيدة ونافعة لعلّ وعسى أن نستطيع أن نقنع الدجاج بأنهم ليسوا حبة قمح.