سلمان بن محمد العُمري
نشرت إحدى الصحف الورقية خبرًا، توقفتُ عنده كثيرًا، مفاده أن وزارة الصحة اعتمدت أخيرًا 166 مركزًا في جميع مناطق المملكة لتقديم خدمات فحص ما قبل الزواج (سواء التحاليل المخبرية، أو جلسات المشورة الطبية).
وبحسب معلوماتي، فإن برنامج الفحص الطبي قبل الزواج قد بدأ تطبيقه بشكل إلزامي قبل خمسة عشر عامًا. ولم يوضح الخبر هل تلك المراكز الصحية جديدة إضافة إلى ما هو موجود قبل سنوات عدة، أم إن هذا المجموع الكلي للمراكز في المملكة؟!
وأوضحت الوزارة أن مراكز الفحص المبكر تستقبل المواطنين المقبلين على الزواج، سواء بشكل فردي، أو تستقبل الطرفين معًا، دون موعد مسبق؛ وذلك بغرض الحد من انتشار الأمراض المعدية والوراثية، وإعطاء المشورة الطبية حول احتمالية انتقال تلك الأمراض للطرف الآخر أو للأبناء في المستقبل، وتقديم الخيارات والبدائل أمام الخطيبَيْن من أجل مساعدتهما على التخطيط لأسرة سليمة صحيًّا.
وأشارت إلى أن مراكز الفحص قبل الزواج موجودة في المستشفيات وبعض مراكز الرعاية الصحية الأولية الموجودة في جميع المناطق؛ إذ تقدم خدمات كالتثقيف الصحي عن فحص ما قبل الزواج، والأمراض المشمولة به، وأهمية التوافق الوراثي، إضافة إلى التطعيم الثلاثي الفيروسي (الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف) للمُقبلات على الزواج، إلى جانب الفحوصات المخبرية لأمراض الدم الوراثية (الأنيميا المنجلية والثلاسيميا)، والمعدية (التهاب الكبد الفيروسي «ب»، التهاب الكبد الفيروسي «ج»، فيروس نقص المناعة المكتسب)، وإحالة جميع الحالات الإيجابية للعلاج (الوراثية والمعدية)، واستدعاء الطرف الآخر، وتقديم المشورة والخدمات الوقائية له.
ولفتت الصحة إلى أنه يمكن الحصول على موعد للفحص عن طريق تطبيق موعد أو 937، أو موقع وزارة الصحة الإلكتروني، وذلك للمواطنين المقبلين. ناصحة بعمل الفحص مبكرًا قبل مرحلة الزواج.
وقد حقَّق البرنامج نجاحًا طيبًا منذ البدء به تنفيذًا للتوجيه السامي الكريم، المتضمن عدم إجراء أي عقد نكاح إلا بعد أن يتم فحص الزوجَيْن، والكشف عليهما طبيًّا، وتعميد مأذوني الأنكحة بذلك حرصًا على تلافي حدوث الأمراض الوراثية التي يمكن أن تنتج من بعض الزيجات، ولإطلاع الزوجَين على الأعراض المرضية التي يمكن انتقالها لأحدهما. وهو قرار حكيم، يُسجَّل لبلادنا تطبيقه. وهذا الإجراء من باب الأخذ بالأسباب، ولا ينافي -إن شاء الله- مسألة التوكل على الله. وهي أسباب؛ إذ أثبت الطب الحديث - بإذن الله - نسبة تلافي المرض أو وقوعه نتيجة لحالة أحد الزوجين. وفي هذا الإجراء تجنيب وحفظ لحقوق الأولاد الذين سيولَدون لهذين الزوجين، وهو من الطب الوقائي، وكما قيل في الأمثال: «درهم وقاية خير من قنطار علاج».. وهو إجراء عمل على الحد من انتشار بعض الأمراض الوراثية التي تنتقل عن طريق الزواج، بل هو وقاية قبل ذلك لطرفَي الزواج؛ فسلامة الزوج والزوجة من بعض العيوب شرط أساسي. وعد الفقهاء عددًا من الحالات المرضية التي تستوجب فسخ عقد الزواج.
ومع التثقيف الصحي، وزيادة الوعي في المجتمع، يرى الكثيرون أن برنامج الفحص الطبي الحالي لا يفي بأغلب الأسباب التي من أجلها قام هذا الإجراء؛ فالجمعية السعودية للطب الوراثي دعت في اجتماعها الأخير إلى إضافة الكشف عن مرض هشاشة العظام لفحص ما قبل الزواج بسبب وجود إنزيم له وظيفة في تكوين العظام، وينتج من ذلك نقص في مادة الفوسفور بالعظام؛ وهو ما يؤدي إلى نوع من الهشاشة وقابلية التكسُّر.
وعلى الرغم من وجود علاج لهذا المرض بالتعويض الإنزيمي إلا أن تكلفة هذا الإنزيم تصل إلى مليون ريال سنويًّا للمريض الواحد؛ وهو ما جعل النادي العلمي يوصي بالوقاية من هذه الحالة بإضافة الكشف عن هذا المرض لفحص ما قبل الزواج.
والبعض يطالب بإجراء فحوصات طبية للأمراض النفسية، والمخدرات والمسكرات.. وكنت ممن طالب قبل سنوات عدة في مقالات سابقة بضرورة إدراج فحص المخدرات قبل الزواج. وفي دراستي العلمية عن «ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي» أظهرت أن تعاطي المخدرات كان من ضمن الأسباب الرئيسية للتفكك الأسري ووقوع حالات الطلاق في المجتمع.
وإدراج فحص المخدرات لدى المتقدمين للزواج سيسهم -بإذن الله- في حل بعض الإشكالات المستقبلية؛ فكثيرٌ من الزوجات وأهاليهن فوجئوا بأن الزوج مبتلَى بتعاطي المخدرات، وبعضهم -نسأل الله العافية- في حالة الإدمان، وقد يكون زواجهما أثمر حَمْل الزوجة المسكينة التي تكون بين نارين، وفي الغالب -مع الأسف- الزوج أو أهله يخفون هذا العيب، كما تخفى سائر العيوب، على أمل أن الزواج سيكون كفيلاً بعودة الرجل إلى طبيعته، وترك هذا الداء!!
ولدى القضاة في المحاكم العامة، ومحاكم الأحوال الشخصية، العديد من الشواهد، والقصص، والمآسي المحزنة، بل إن الأمر تعدى إلى محاولة الزوج المدمن جرّ زوجته لتعاطي المخدرات!
فلعل الرسالة وصلت لمن يهمهم الأمر.