أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: ذهب هذا (الفارابي) إلى تفلسُف أرعن عن الواحد والوحدة؛ فقال عن الواحد: هو الذي يقال على اتفاق الكثرة في جنس، أو نوع، أو في عرض؛ والواحد يقال في أنحاء كثيرة منها الكثرة التي هي واحد [قال أبو عبدالرحمن: احمدوا ربكم على نعمة الإسلام؛ فلا واحد إلا هو جل جلاله؛ وكل من سواه فهم عبيده ومُلْكُه وخَلقه.. نواصيهم بيده، ماضٍ فيهم حكمه، عدل فيهم قضاؤه].
قال أبوعبدالرحمن: الكثرة التي هي واحد عند ذلك الأرعن: هي الجنس الوحد الذي يقال على أنحاء كثيرة: هي الكثرة بالجنس، أو بالنوع، أو بالقول الدال على الماهية، والدلالة على الماهية تكون بالغرض، أو بالمحمول (والمحمول واحد بالعدد)، والموضوع واحد بالعدد، ثم انتقل (وقد فُضَّ بحمد الله فوه، وكثر شانؤه) إلى الواحد بالعدد؛ وهو ما كان مسمى باسمين سواء أكان شخصًا، أو نوعًا.. إلخ.. إلخ؛ وختام المسك في هذه الجولة عن سيرة (الغزالي)، و(ابن رشد)؛ فالعزالي [450-505 هجرياً/ 1059-1111 ميلادياً]: هو أبو حامد، وقد وصف بحجة الإسلام [؟؟؟!!!]؛ وهو فارسي الأصل.. فقد أباه صبيًا؛ فرباه وصي صوفي فترة [قال أبو عبدالرحمن: الصواب (مدة)] من الزمن، ثم وضعه في مدرسة خيرية يعيش ويتعلم، ولقد أتى (نيسابور)، وتعلم التصوف على (الفرامدي)، والفقه والكلام على إمام الحرمين؛ ثم أتى مجلس نظام الملك، وزير السلاجقة سنة 478 هجرياً/ 1085 ميلادياً؛ فأقام ست سنوات، ثم عيَّنه بعدها الوزير أستاذًا في نظامية بغداد، وألف أثناءها كتابين: كتاب (مقاصد الفلاسفة)؛ وقد عرض فلسفة (الفارابي)، و(ابن سينا)، وكتاب (تهافت الفلاسفة)، وقد انتقد هذه الفلسفة، ثم ترك بغداد، ومارس التصوف عشر سنوات، وعاد بعدها إلى التعليم في (نيسابور)، واعتزل التعليم بعد سنة 500 هجرياً/ 1106 ميلادياً، وظل في عزلته كل بقية عمره.. وأما (ابن رشد) [520-595 هجرياً/ 1126-1198 ميلادياً]؛ فقد وُلد في (قرطبة)، في أسرة علمية تمارس وظيفة القضاء بين الناس فيما اختلفوا فيه، ودرس الفقه، والكلام، والطب، والفلسفة؛ ثم اتصل بـ (أبي يعقوب يوسف)، على يد (ابن طفيل)، وشرح كتاب (أرسطو) تلبيةً لرغبة الخليفة، وعيِّن قاضيًا في (اشبيلية) سنة 590 هجرياً /1169 ميلادياً، ثم في قرطبة، وأصبح قاضي القضاة، ولقد اتُّهم بالزندقة؛ وتلك تهمة صحيحة ثابتة؛ فنفاه (المنصور)؛ وهو - رحمه الله تعالى - آفة على الملحدين، ودام في منفاه أربع سنوات قبيل وفاته، وكان يملك كثيرًا من الجرأة في حمله (ابن رشد) على وضع كتابه: (تهافت التهافت)، يدافع فيه عن الفلسفة، في بيئة ناقمة على كل فيلسوف.. قال (يوحنا قمير/مؤلف كتاب ابن رشد والغزالي التهافتان): ((زرتُ قرطبة صيف 1966 ميلادياً /1387 هجرياً، وأدهشني خلو شارع ابن رشد، (وهو أشبه بزاوية شارع) من تمثال ابن رشد، مع وجود تمثال جميل لتلميذه (ابن ميمون) في شارع آخر؛ ولقدتبتُ إلى رئيس بلدية قرطبة أُعربُ له عن دهشتي من الإجحاف اللاحق بابن رشد؛ فوردني جوابه بعد مدة قصيرة؛ وفيه التصميم لتمثال ابن رشد، وبشرني بأن هذا التمثال سيقام في أواخر سنة 1966ميلادياً /1387 هجرياً، وفي الواقع قد أقيم)).
قال أبو عبدالرحمن: من اتباعي ما أباحه الله أو حرمه من الأمور: فلست فرحًا بصنع التماثيل؛ وإنما أهتم بالوقائع التاريخية ودلالتها على ما يرغبه المسلم، أو يكرهه، وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.