د. عبدالرحمن الشلاش
كنت أجلس في صالة الانتظار في أحد مطارات بلادنا تأهباً لإعلان موعد الصعود للطائرة. كانت تجلس بالقرب مني أسرة أب وأم ومجموعة من الأطفال يلعبون ويعلو ضجيجهم في المكان الضيِّق ويترامى صراخهم في الأنحاء غير الرحبة من تلك الزاوية المحشورة في المطار الصغير. أكثر ما استرعى انتباهي أحد أولئك الأطفال كانت سمنته مفرطة رغم سنه الصغير الذي قد لا يتجاوز الثامنة أو التاسعة على الأكثر لكن وزنه بالتأكيد لن يقل بأية حال عن الثمانين كيلو، وطوله في حدود 140 سم، يتحرَّك ببطء وتثاقل ويسقط سريعاً. لا يستطيع اللحاق بإخوانه وقد كبلته أكوام الشحوم المتراكمة على أكتافه ومنطقة بطنه وأردافه. وضع أمام الصغار وفي مقدمتهم السمين الصغير كمية كبيرة من الأكل الدسم غير الصحي المشبَّع بالزيوت والدهون وكميات من الخبر والشيبس والمشروبات الغازية. كل هذا بمباركة الأب والأم. أدركت حينها أن الثقافة الصحية للأسرة في الحضيض ناهيك عن أن هؤلاء الأطفال لا يتحركون و لا يمارسون الرياضة ومعنى هذا أن القادم بالنسبة لهم أسوأ، وأنهم موعودون بتفاقم حالاتهم وتضاعف أوزانهم على المدى القريب في ظل وعي الأسرة المنحدر أو ضعف الأهل وعدم قدرتهم على صد رغبات الأبناء غير المنطقية.
تأملت كثيراً وضع هذا الطفل السمين وكيف أنه سيصبح بعد زمن قصير عبئاً ثقيلاً على نفسه وعلى أسرته غير المدركة لخطورة الوضع والذي قد ينتهي بإصابة مفاجئة بالسكر أو خلل في الضغط أو سكتة قلبية لا قدَّر الله. ظلَّت صورة هذا الطفل تطاردني كلما شاهدت حالات مشابهة لأطفال صغار وكبار، عندما أكون في أماكن عامة ألاحظ بين الأطفال طفلاً أو أكثر وزنه زائد، وطفلاً أو أكثر سمنتهم مفرطة؛ وهذا يعني أن الأمر قد تحول إلى ظاهرة خطيرة جداً إذا لم يتم تداركها سنكون أمام مشكلة كبيرة جداً.
لدينا في كل بيت أطفال كثر معرضون للسمنة، لأن كل ما حولهم من إفراط في المأكولات غير الصحية، وجلوس طويل أمام الأجهزة المختلفة وعدم حركة أو نشاط كل ذلك وغيره يساعد على زيادة الوزن وكأن في كل منزل يتم تنفيذ مشروع ولد سمين، أو أكثر من ولد سمين وبنت سمينة أو أكثر من بنت سمينة، وهذا ما يثير التساؤلات حول دور الجهات المسؤولة في الحد من هذه الظاهرة المخيفة وفي مقدمتها وزارة الصحة!