سمر المقرن
ما زال هناك كثير من اللبس في الفرق ما بين الحياء والخجل؛ فالأول مطلوب، والثاني مذموم؛ إذ يعتقد يعضهم أنهما المعنى نفسه، وهذا غير صحيح؛ فهما بعيدان عن بعضهما. وأتذكر مثلاً أيام الطفولة التي أدركتُ فيها هذه المعاني من النشأة والتربية التي جبلت عليها أن الحياء كان يمنعني من أن أسخر من زميلاتي في الفصل الدراسي أو أقلل من شأنهن، بينما قهرتُ الخجل، وكنتُ أسأل معلماتي عن أية معلومة لا أعرفها. فالحياء صفة حميدة، تمنع الإنسان من فعل القبيح، ودفع سيدنا موسى عليه السلام مقابله عشر سنوات من عمره مهرًا لزوجته، وهو لا يأتي إلا بخير. أما الخجل فهو صفة سيئة مذمومة، تكبل الإنسان بالعجز، وتمنعه من الدفاع عن نفسه، أو المطالبة بحقه، وقد تجعله يهجر مكارم الأخلاق، أو يوقع صاحبه في خطايا وأخطاء، ويهدر الحقوق، ويكون عاجزًا حتى عن المطالبة باسترداد دينه، أو ذكر كلمة الحق في محيط عمله، ويوقع أصحابه في الخطأ! وله أسباب، أهمها نقص في التربية، وانعدام الثقة بالنفس.. وهي ابتلاءات، قد ترفع من قدر أصحابها، وتشعرهم بالفخر للصبر عليها، لا أن تشعرهم بالخجل والحرمان، ومعاناة الفقر، بالرغم من أن الفقر هو فقر النفوس من القناعة، وليس الفقر المادي وحده. والخجول يشعر دائمًا بالدونية، وعدم الأمان.
وللخجل مظاهر عدة، أهمها عدم القدرة على التواصل البصري مع الآخرين، أو الانخراط معهم، وربما يعاني صاحبه من آلام جسدية مبرحة في القولون، وتعرُّق زائد، وجفاف في الحلق، وارتعاش اليد، وزيادة نبضات القلب، واحمرار الوجه. هذه الصفات وجدتها في بعض الدراسات العلمية، وفسَّرها علماء على أنها بسبب تماسُك الشخص الخجول الذي يؤدي لاندفاع الدم في الاتجاه المعاكس للمخ نحو الجلد.
وأكد علماء النفس أنه إذا كان التخلص منه أشبه بالنقش على الحجر (صعبًا)، لكنه ليس مستحيلاً. وتبدأ رحلة علاجه بالصبر والعزيمة والثقة بالنفس والاسترخاء النفسي والعضلي، والتحدث مع الآخرين، والمشاركة في الأنشطة التطوعية معهم.
وأخيرًا لنعرف الفرق بين الحياء والخجل أورد هنا مثالاً عن نبات يتميز بالحياء يسمى (ميموسا بوديكا)، عند لمسه يقوم بإغلاق أوراقه فورًا؛ فيزداد جمالاً على جمال. ومن معاني كلمة «بوديكا» باللغة اللاتينية «العفيفة»، وكذلك «المنكمشة».
أما حيوانات (الترسيريات) فهي مشهورة بالخجل، وغير قادرة على التأقلم مع البيئة المحيطة حولها؛ وهو ما يهددها بالانقراض لتلقى مصير الديناصورات بسبب خجلها الشديد!
كل إنسان بإمكانه أن يعرف نفسه جيدًا، ويدرك مشكلته. والشعور بوجود مشكلة هو بداية الحل. ولأن المجتمع بسبب اللبس الحاصل بين المعنيين يعزز للشخص الخجول فهو لا يعلم أن هذا الإنسان يتعذب، وأن هذا التعزيز يزيد من عذاباته!