يوسف المحيميد
كتبت في هذه الزاوية قبل أربع سنوات مقالين بعنوان «موت الخط العربي الجميل» و«لماذا خلد التاريخ ابن مقلة»، ذكرت فيهما أن الخطاطين المبتكرين والمبدعين قلة في تاريخ الخط العربي، كالوزير ابن مقلة، وابن البواب، وعماد الدين الشيرازي، ومير علي الهراوي التبريزي الذي وضع قواعد خط التعليق في نهاية القرن العاشر الهجري؛ أما في القرون الأخيرة فهناك مئات، بل آلاف الخطاطين المقلدين، الذين تزدحم بهم مواقع التواصل الاجتماعي، ومن غير الطبيعي أن يكون كل خطاط مبتكرًا لنمط جديد، ولكن الطبيعي أن يظهر بين آلاف الخطاطين مبدعًا متجاوزًا، يقوده القلق وتدفعه الأسئلة والشغف والبحث للوصول إلى نمط جديد في الخط العربي العريق.
ولعل البعض حاول بذكاء الخروج عن النمطي والسائد، بتوظيف الحرف العربي في بناء تشكيلي رائع، كالتونسي نجا المهداوي، والسعودي محمد العجلان، والبحريني محسن الغريب، وغيرهم ممن أدخل الخط العربي مناطق إبداعية جديدة، سواء من خلال اللون أو تشكيل الحروف وبنائها، مما أوجد لدينا قطعًا فنية نادرة، ذات هوية عربية خالصة، يمكنها الدخول وبقوة في معظم المتاحف العالمية، وهو ما تهدف له - ربما- مبادرة وزارة الثقافة بإطلاق العام الجاري 2020 عامًا للخط العربي.
أعتقد أنها فرصة ثمينة لجيل الشباب من الخطاطين السعوديين لمزيد من التحرر والجرأة في التعامل مع الخط العربي، وتقديم إبداعهم بشكل متميز، فقد نجد الجميع مثلًا يتقن كتابة حرف الواو بخط الثلث الجميل، والجميع يمتلك القصبة ذاتها، لكن الرؤية والوعي والجرأة تختلف من خطاط لآخر، هناك من يدفع تجربته الإبداعية إلى أقصاها، ليتميز ويختلف عن غيره، وهناك من يكتفي بإتقان كتابة الحروف بأنواع الخط العربي وحسب القواعد المعروفة، وهذا - في نظري - هو الفرق بين الإبداع والاتباع!