فيصل خالد الخديدي
لم يكن حديث الدكتور سعيد السريحي في برنامج الصورة مع المتألق عبدالله المديفر حديثاً عادياً بل هو نموذج للحوار الجاد المحمل بالفكر والفلسفة والحكمة والتميز في الردود والعمق في الطرح وشمولية الثقافة, ولعل من القضايا الهامة التي أكد عليها الحوار في أكثر من محور هو ذلك التعاطي الذكي مع مفهوم الذات بين إنكار وتكثيف, حيث ذكر سعيد في أكثر من موضع وبصيغ مختلفة أننا نستطيع تجاوز العقل المنغلق المفتون بنفسه, وتجاوزنا مفهوم الذات فإننا عند ذلك نصبح ورثة كل الذين ماتوا ونحن البقية الذين سيبقون... ويصبح عمرك عمر الإنسانية.
وفي معرض رده عمن اتهمه بأنه يصفي حساباته مع خصومه في كتابه الأخير... ذكر (ليس استجلابا لبطولات ولكن لنزع أي بطولة محتملة... وأنكر ذاته سعيد باستحضار كل من قرأ لهم وكل من سمع منهم بل بكل من استعان بهم وبكل من يجرون في دمه, ولو لم يقرأ سعيد لطه حسين لما وقف ذلك الموقف ولو لم يحدثه أبوه عن جده لما استطاع أن يقف ذلك الموقف الثابت من خصومه مقدماً في خطابه هذا إنكار للذات المفردة وتكثيف للذات التي تتقاطع فيها شخصيات كل من عرفهم أثروه وأثروا فيه بشتى الطرق تلك الذات المتعدد التي تستبطن ذوات أخرى... فأنت كل من قرأت لهم, وأنت كل من أصغيت لهم, وأنت كل السابقين وكل المولودين.... وقدم في ختام حديثه في هذه النقطة بمقولة ملهمة وهامة (كنت مفرداً بصيغة الجمع) ليرسل إشارة أن الإنسان قليلاً بذاته كثيراً بمعارفه وتجاربه وتقاطعاته من الذوات الأخرى.
إن مثل هذا الطرح من مثقف شامل يعتبر منهجا يقتدي به الفنانون والمثقفون وخارطة طريق لتعاطي المبدع مع ذاته ومع الآخرين ويمنح الثقة بأن البقاء للمبدع بما يحمل من سعة اطلاع وثقافة شاملة تنعكس على عمله ليخرج إبداعه محملا بالصدق والنضج الفكري ولعل الممارسين في الساحة التشكيلية بالحاجة الماسة لمثل هذا الفكر في التعاطي مع ذواتهم وإبداعاتهم لتخرج محملة بكل هذا العمق الذي يجعلهم في منجزاتهم أفراداً بصيغة الجمع.