أ.د.عثمان بن صالح العامر
هذان الاسمان ليسا اسمين لقبيلتين متصالحتين بعد نزاع وخلاف دموي طويل، ولا هما منطقتان متجاورتان ترفلان بالأمن والسلام بعد أن كانتا متناحرتين تتجاذبان النفوذ والسيادة على ممر حدودي بينهما، وإنما هما لقبان اختارتاهما بمحض إرادتهما كل من يارا (وآوى) البالغة من العمر سنتين ونصف، ومروى (وآون) ذات الثلاث السنوات والنصف.
يارا هي ابنة بنت العائلة السعودية التي يعمل عندها والدة ووالد مروى (فلبينية الجنسية).
تعيش الصغيرتان بسلام وأنس وسعادة لا مثيل لها، تفقد كل منهما الأخرى حين غيابها، يأنسانِ معًا ويلعبان سوياً، ولا تمانع يارا أن تشاركها مروى حب أهلها والترحيب بها والاحتفاء بوجودها بينهم ومشاركتها لهم حياتهم الخاصة، وشراء ما ترغب في الحصول عليه مثلها مثل أي صغير في هذه السن، بل هي من يبادر بأن يشتري لمروى مثل ما تشتري لنفسها إذا لم تكن معها حين تخرج مع جدتها. أكثر من هذا.. كثيراً ما انتقلت العدوى من هذه لتلك، وكذا العكس لقربهما من بعضهما وعدم القدرة على الاستغناء عن اللعب سوياً والاجتماع معاً حتى عند المرض، وفي حال وجد اختلاف بينهما سرعان ما يزول وتعود المياه لمجاريها.
صورة أخرى غُرِّد بها هذه الأيام وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، نصها: «أخبرني ابني أن هناك صديقاً له يشبهه تماماً اختاره ليحتفلا غداً في المدرسة بيوم التوائم، ذهبت واخترت له ولصديقه طقم ملابس هدية مني وفرح بهما، في اليوم التالي بعث لي أستاذهما هذه الصورة»!
من الواضح أنهما يتشابهان جداً في البراءة والجمال الإنساني الذي لم يتشوّه بعد! (والدة الطفل). «مرفق مع هذه الحكاية صورة لطفلين يختلفان في اللون والملامح والجنس».
استدعيت هاتين الصورتين هذا المساء وأنا أبحث في (السوشل ميديا) عن أخبار اليوم الأول لمؤتمر (جهود المملكة العربية السعودية في ترسيخ قيم الاعتدال والتعايش الحضاري: المفاهيم والممارسات) الذي يُقام في رحاب جامعة القصيم، والرابط بين ما ورد أعلاه وهذا المؤتمر الدولي: أن ما يبذل من جهود نوعية متميزة من قبل بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية في هذا المضمار المهم تتكسَّر وتتلاشى إذا لم يكن لدينا نحن بني الإنسان التشرّب لهذه القيم العالية التي تتوافق مع الفطر البشرية السوية وتبقى مع صغارنا حتى تنحرف بهم تربيتنا لهم وتعليمنا إياهم.
علينا، بل على الأجناس البشرية كلها أن تقترب من عهد الطفولة الفطرية الذي جعل (وآوى) لا تنظر إلى (وآون) على أنها بنت خادمة وسائق، ولا تعير اختلاف الطبقة والجنسية أي اهتمام، العهد البريء الذي دفع الابن الأبيض أن يطلب من أمه مشاركة من ادّعى أنه يشبهه في يوم التوائم الذي تقيمه المدرسة، مع أن الشبيه كان طفلاً إفريقياً أسود دون أي اكتراث من هذا الصغير بلون أو عرق.
نعم، بهذا الشعور الإنساني العميق وإن كان في نظر البعض بسيطاً ومختزلاً يكون التعايش الحضاري بين بني البشر، والذي هو مؤسس في الأصل على ما هو مغروس في النفس الإنسانية، ومجبول عليه بنو آدم بلا استثناء من مساواة مطلقة في أصل الخلقة والفطرة، فضلاً عن أن القرآن الكريم والسنة النبوية يؤصلان لما استقر في الفطر كما هو معلوم، إذ يبيِّن الله سبحانه وتعالى أن الأصل آدم، وفي ذات الوقت يقرِّر أن الكرامة الإنسانية حق للجميع، ويحدِّد حكمة الاختلاف بين أفراد الجنس البشري في التعارف والتعاون وتبادل المنافع ودفع المضار فحسب، وميزان التفاضل الرباني ليس القبيلة ولا الجنسية ولا الطبقة ولا اللون ولا العرق، إنما هو التقوى لا غير، فاللهم ارزقنا التقوى، واجعلنا أهلاً للتعايش الحضاري بسلام، والتبادل الثقافي بعزة واقتدار، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.