محمد آل الشيخ
قطر ليس فيها إلا الغاز وقناة الجزيرة ومائة وخمسون ألف نسمة، نصفهم ما دون الثلاثين سنة، وكذلك بعض المجنسين. قناة الجزيرة يعتبرها حكام الدويلة سلاحهم الأول، ويصرفون عليها وعلى قنوات تلفزيونية أخرى المليارات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل الجزيرة من حيث المشاهدة كما كانت في التسعينيات من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين؟
لا يمكن لأي مراقب إعلامي مستقل إلا أن يلحظ أن تأثيرها انحدر بشكل كبير، فقد نافستها وبقوة قنوات إخبارية عربية كالعربية والحدث وسكاي نيوز عربية، وكذلك القنوات الغربية الناطقة بالعربية مثل البي بي سي والحرة وفرانس 24 والألمانية دي دبليو، واستقطبت بعض مشاهديها، لا سيما وأن قناة الجزيرة أضحت في الآونة الأخيرة تعكس مواقف دويلة قطر تجاه الأحداث في المنطقة وفي العالم، كما أن من يشاهدها يستطيع أن يرصد مواقف القصر الأميري القطري من الأحداث، فهي مثلا لا تختلف عن قناة الميادين الفارسية الناطقة بالعربية عندما تتحدث عن إيران وما يجري في داخلها، وكذلك ما يجري في العراق ولبنان من مواقف مؤيدة للإيرانيين، إلى درجة جعلت أغلب العراقيين يعتبرون الجزيرة صوت الولي الفقيه الناطق بالعربية، وهذا الموقف المنحاز لإيران جعل قناتي (العربية) و(الحدث) كذلك هما القناة الأكثر مشاهدة في العراق، حيث أكد لي أحد الأصدقاء العراقيين أن قناة الحدث على وجه الخصوص هي القناة الإخبارية الأولى في العراق من حيث المشاهدة، وكذلك لبنان بعد الأحدث الأخيرة هناك، فقناة الجزيرة انحازت وبتطرف مع حزب الله وإيران، الأمر الذي جعل اللبنانيين المناوئين لما يُسمى حلف الممانعة يتزاحمون على الظهور في العربية والحدث لإيصال أصواتهم إلى الفضاء العربي؛ ربما أن الجزيرة هي الأقوى بفلسطين في الضفة والقطاع، أما بقية المناطق العربية فلم تعد كذلك، فدول الشمال العربي الأفريقي مثلاً تحتل قناة فرانس 24 العربية الصدارة، حيث أن هامش الحرية فيها أفضل بكثير من قناة الجزيرة التي تعبر فقط عن سياسة قطر وطموحاتها وبطريقة فجة ودعائية كما أن قناة الجزيرة عندما تتعرض للوضع الليبي، تنحاز بشكل سافر إلى حكومة الوفاق التي تدعمها قطر، وتردد ما يدعم مواقفها بالشكل والمضمون الذي يجعل بينها وبين الرصانة مثل ما بين المشرق والمغرب.
وليس لدي أدنى شك أن قناة الجزيرة هي الآن أقرب إلى العجوز الشمطاء التي تصر على أنها مازالت شابة وتجذب الأنظار بينما أن الحقيقة تقول عكس ما تعتقده في نفسها.
كما أن بروز السوشل ميديا كمنافس قوي ومؤثر في صناعة الرأي العام، أضعف قناة الجزيرة بوجه خاص، كما أضعف قنوات البث التلفزيوني بشكل عام؛ وهذا ما اضطر بعض نجوم قناة الجزيرة إلى الدخول بقوة في مجال السوشل ميديا وتحديداً (تويتر)، عسى ولعل أن يعوضوا ما فقدوه من وهج في قناتهم التي كانت يوماً ما تصنع الخبر وتوجهه، أو تهمش الخبر وتقلل من تأثيره. وما من شك أن ما يواجهه نجوم ومذيعو الجزيرة من حملات وتشنيعات وسخرية وتعليقات جعلها تبدو عاجزة عن استقطاب المشاهد العربي.
صرف دويلة قطر على القنوات التلفزيونية سواء الجزيرة أو زميلاتها اللندنيات لا يمكن أن يوازي فشلها الذريع في السوشل ميديا، الذي أصبح الموجه بحق للرأي العام العربي.
إلى اللقاء