ناصر الصِرامي
يطلق على القطاع الخيري القطاع المستقل، ويسمى أيضاً بـ(الاقتصاد الاجتماعي) غير الربحي، قطاع البر، الإيثار العام أو المجتمع المدني, إلا أن تسميته بالقطاع الثالث بعد الحكومي والخاص تعد الأدق تعبيرًا بالإشارة إلى حجمه وحجم إسهامه - المفترض - المباشر أو غير المباشر في الاقتصاد، إلى جانب القطاع العام وقطاع الأعمال.
القطاع الثالث، والذي تنتمي إليه المؤسسات الخيرية والمنظمات غير الحكومية يسجل رقماً مهماً في المعادلة الاقتصادية في البلدان الصناعية، وهو أيضًا شريك للقطاعين الآخرين في عملية التنمية البشرية، بما يملكه من مؤسسات تعليمية وبحثية ومؤسسات استثمارية ووقفية.
كما إنه يوفر خدمات اجتماعية عدة، وذلك عبر تمويله لشبكة واسعة من المؤسسات الخدمية في مجالات حيوية عدة كالتعليم، الصحة، الثقافة، الفنون، البيئة، البحث العلمي، حقوق الإنسان والأسرة ورعاية الطفولة، كما المساعدات الدولية وغيرها.
فقط أريدكم أن تتخيلوا الآن، حجم هذا القطاع في المملكة العربية السعودية، وأن تنظر إلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية الحكومية والأهلية، والأوقاف لهذه المؤسسات ونحوها..
أريدكم أن تضعوا في تصوركم، كل الجمعيات الخيرية الطبية والعلمية والإدارية والإنسانية - بما في ذلك المؤسسات الخيرية الملكية لأبناء المؤسس الملك عبدالعزيز، وأصحاب السمو والأمراء والأميرات، ورجال الأعمال، وكرم المواطنين والمواطنات ..إلخ...
- قطاع ضخم أليس كذلك..؟
إنه كذلك بالفعل، لكنه قطاع فوضوي غير منسق أو متناسق، بل ويصعب الوصول إلى أرقام ومعلومات إحصائية حديثة لمجمل هذا القطاع محليًا. وبالكاد وجدت أرقام من تقرير (القطاع غير الربحي 2018)، والذي أصدرته مؤسسة الملك خالد الخيرية، ويشير إلى إن عدد مؤسسات القطاع غير الربحي في المملكة يبلغ 2598 مؤسسة، توظف 47 ألف عامل فقط، ولا تتجاوز مساهمة القطاع في الناتج المحلي أربعة مليارات ريال، وهو رقم ضئيل، مقارنة بحجم الناتج المحلي الذي يفوق 2.5 تريليون ريال.
فيما بلغ عدد المتطوعين في المملكة عام 2018، نحو 121 ألف متطوع فقط من 96 جهة حكومية، فيما وعدت وزارة العمل برفع الرقم إلى 300 ألف هذا العام 2020!
لكن، الأمل كبير وجميل، والتوقعات عالية، ووثيقة «رؤية المملكة 2030» في القطاع غير الربحي، تعد برفع مساهمة القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي من أقل من 1 % إلى 5 %، والوصول إلى مليون متطوع!
هو أمر يصعب جدًا توقع تحقيقة مقارنة بما نتابعه من جهود حالية من الوزارة المعنية، وزارة العمل، ليس فقط لأن ما نشاهده حتى الآن مع هذا القطاع الكبير والواعد جدًا لا يزال محدودًا ومتواضعًا، لكن أيضًا لأن الوزارة بوضعها الراهن تمنح اهتمامًا واضحًا، وأولوية لا تخطيئة العين لملف العمل المعقد والمهم والثقيل..!
قطاع التنمية الاجتماعية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية يظم اليوم ثلاث وكالات، وكالة الوزارة للرعاية الاجتماعية والأسرة، وكالة الوزارة للضمان الاجتماعي، وكالة الوزارة للتنمية الاجتماعية. وهي ما يمكن أن تتطور وتتمدد لتشكل وزارة مستقلة للتنمية الاجتماعية أو للمجتمع المدني أو القطاع الثالث بالمملكة العربية السعودية.
إعادة فصل العمل عن التنمية الاجتماعية، وهذه المرة وفق رؤية طموحة للقطاع الثالث يستهدف أن يسهم بـ5 % من الناتج المحلي، يتطلب جهازًا متفرغًا للتركيز على تحقيق نقلة تحتاج إلى الكثير من العمل والمبادرات لهذا القطاع الكبير.
وزارة مستقلة للتنمية الاجتماعية أو المجتمع المدني أو قطاع البر، تعمل على ضمان تحقيق أهداف الرؤية للقطاع غير الربحي، وتبحث في الوقت نفسه: لماذا وفي الوقت الذي تتقدم فيه المملكة، وتصدر مؤشرات أداء دولية عدة، تتراجع ثلاث عشرة مرتبة، من المرتبة السابعة والسبعين إلى المرتبة التسعين في مؤشر التنمية الاجتماعية الدولي؟!