د. فهد صالح عبدالله السلطان
أولاً يجب أن أعترف بأنني لست من متابعي مشاهير السوشيال ميديا، ولكن القدر ساقني إلى أن أشاهد مقطع فيديو للأستاذ منصور الرقيبة، يتحدث فيه عن رحلة درامية سابقة له مع بعض المثقفين وأساتذة الجامعات. وللأمانة العلمية، فقد استخلصت من طرحه الشيق كثيرًا من الدروس العملية. وقد تأكد لي بعد ذلك أنني قد خسرتُ الكثير من المعرفة بسبب بُعدي عن بعض ما يتم طرحه في مواقع التواصل الاجتماعي من قِبل البعض. نعم، هناك الكثير من الغث فيما يتم طرحه، ولكن يجب أن لا ننسى أن فيه ما يعبر عن شعور ورأي الوسط الاجتماعي بصدق، وبعفوية غير متكلفة. وحتى لا أُطيل على القارئ الكريم، أود أن أشارك القراء بعض الانطباعات التي خرجتُ بها بعد مشاهدتي الفيديو:
- إنه على الرغم من تفاوت المستوى التعليمي بين الرقيبة وأولئك النخبة من المثقفين إلا أنه يتضح من سياق الرواية أنه كان معلمًا لهم، معلمًا للمعلمين، ومنورًا للمنورين رغم اعتقاده وقناعتهم بأنهم يفوقونه علمًا وثقافة. وهذا يتفق مع الدراسات الإحصائية التي تؤكد أن ما نسبته 78 % من الإبداعات لم تأتِ من مراكز بحثية أو علمية، وإنما نتجت من أشخاص مبدعين، ليسوا بالضرورة من منسوبي المراكز العلمية.
- إن الحكمة - كتلك التي تحلى بها الرقيبة أثناء الرحلة - ليست مشروطة بشهادة علمية، أو ملاءة مالية، أو عُمر محدد.. أو غيرها.
- إنّ الكبرياء والترفع على الآخرين بسبب شهادة علمية أو مال أو جاه مؤشرٌ على فراغ صاحبه من العلم، وانغماسه بالشكليات.
- غياب الانسجام الفكري بين أعضاء المجموعة يولد فراغًا، يملؤه التنافر؛ وهو ما يُفضي إلى تراجع الثقافة، وزيادة الكراهة.
- نظرًا إلى أن قوة المجتمعات تستند إلى التكامل، أي إن المجتمع يزداد قوة كلما اتجه نحو التكامل الفكري بين الطبقات الفكرية فيه، فإن من أهم وسائل التكامل الفكري أن تستمع كل فئة إلى الأخرى استماعًا إيجابيًّا لا إقصائيًّا؛ حتى تتم منظومة التكامل المعرفي، ويتحقق الانسجام، الانسجام الذي لا يعني بالضرورة الاتفاق على كل الفروع.
- عندما يكون هناك حراك فكري بين العامة والنخبة فإن ذلك غالبًا ما ينتهي إلى أن تتجه إحدى الفئتين نحو الاندماج بالأخرى. فإن لم يرتفع العامة إلى الأعلى عمل الرواد إلى النزول إلى من يرونهم دونهم.. ومن المعلوم بالضرورة أن النزول أقرب من الترقي. يقول جمال الدين الأفغاني: «التسفل أيسر من الترفع».. وهو ما يتفق مع قانون الجاذبية الأرضية.
وأستخلص من هذا كله أنه على الرغم من الدور المهم والإيجابي لطبقة المثقفين وأساتذة الجامعات في توعية المجتمعات وتنميتها إلا أن ذلك لا يجوز أن يكون مدعاة للشعور بالفوقية والترفع، وأن على مَن يتملكه الكبرياء والشعور بالفوقية من المثقفين طرحها جانبًا، وتفهُّم ما يطرحه الآخرون استعدادًا لمرحلة النزول المتوقعة، وتأصيلاً للانسجام الاجتماعي. كما أن الأمل معقود على مشاهير السوشيال ميديا بالعمل على توخي الأمانة والصدق والمهنية فيما يتم طرحه، ومعظمهم كذلك - ولله الحمد - أملاً في تحقيق التكامل الاجتماعي، وتعظيم القيمة المضافة اجتماعيًّا واقتصاديًّا.
والله الهادي إلى سواء السبيل.