د.عبدالله بن موسى الطاير
روسيا تحاول تجنب «السيناريو الأسوأ» في إدلب السورية، حسب تصريحات الرئاسة التركية، فما هو السيناريو الأسوأ؟ وكيف يتم تجنبه؟
يرى الغرب أن روسيا والنظام السوري لن يتوقفا إلا إذا اصطدمتا بأمريكا أو تركيا أو قوات الجو الإسرائيلية، بينما ترى روسيا أن «الأسوأ» هو الاشتباك المباشر مع القوات التركية. ولتجنب هذا «الأسوأ» فقد طالب المتحدث باسم الرئاسة الروسية بالقضاء على المسلحين الذين ينفذون أعمالاً عدوانية ضد قوات الحكومة السورية في إدلب ويقصد بذلك هيئة تحرير الشام المدعومة تركيا. إذا فالعالم أمام خيارين واضحين؛ إما الاشتباك الروسي مع تركيا المدعومة غربياً، أو القضاء على هيئة تحرير الشام.
لإعادة الدفء في العلاقات الروسية التركية، تستدعي الأخيرة جبهتها الغربية، حيث اتصل الرئيس التركي بالمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي طالباً فرض الناتو حظراً للطيران في سماء إدلب، وهو الأمر المستبعد من قبل الناتو. أعقب ذلك طلب تركيا من أمريكا نشر بطاريات باتريوت على حدودها الجنوبية، وليس هناك حتى الآن مؤشرات على قبول أمريكي لهذا الطلب. وبغض النظر عن رد الناتو وأمريكا فإن تركيا تبعث رسالة لروسيا للعودة إلى التنسيق.
العلاقة الروسية التركية ليست إستراتيجية، ولكن لطالما رغبت روسيا في دق إسفين بين تركيا والناتو، وإغاظة الأمريكيين بالتقارب مع تركيا، بيد أن روسيا تدرك جيداً أن تركيا جزء لا يتجزأ من الناتو، وأن ثمن التقارب الحقيقي مع تركيا هو خروجها من هذا الحلف الدفاعي الذي صمم لمواجهة الاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا حالياً. ما يجعل المنطقة الضبابية تتسع بين تركيا وروسيا هو النداءات الفرنسية الأخيرة إلى حوار مع روسيا، ما قد يكون رداً سريعاً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. أي تقدم في العلاقة بين روسيا وأوروبا سيعني بالضرورة تباعداً بين الأخيرة وتركيا التي استخدمت منذ الحرب الباردة خط الدفاع الأول ضد المطامع الروسية. ومع إمكانية حدوث التقارب الأوربي الروسي، فإنه لا ينبغي أن يذهب بنا الخيال لأبعد مما يجب، فأمريكا، على الأقل حتى الآن، مسيطرة على القرار الأوربي، وفي حال إصرار فرنسا على التقارب مع روسيا فإن عودة الاهتمام الأمريكي الكلي بتركيا من أجل تأمين وجودها على تخوم روسيا وإيران سيكون حتمياً.
على هامش المصالح الدولية لروسيا وحليفتها سوريا وشريكتهما إيران -المهمشة حالياً- من جانب، والتركية الأمريكية الإسرائيلية من جانب آخر- يعاني الإنسان السوري الذي يقتل بيد أخيه السوري، خدمة لمصالح دولية في بلاده. وعلى إيقاع الرقص السياسي المتحاربين والمتحالفين في سوريا، يخرج الأمين العام للأمم المتحدة ليؤكد المؤكد وهو أنه «على دراية بالأزمة الناشئة في شمال غرب سوريا والخسائر البشرية الفظيعة التي يتعرّض لها المدنيون»، مضيفاً تقديرات الأمم المتحدة بفرار نحو 900 ألف سوري من إدلب وحاجة 2.8 مليون آخرين لمساعدات عاجلة جداً بكلفة تصل إلى 500 مليون دولار، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار في إدلب تجنباً لتصعيد «لا يمكن السيطرة عليه». وفي كلمات منتقاة بعناية أضاف الأمين العام للأمم المتحدة أن «الحملات العسكرية السورية المدعومة من روسيا التي شُنّت في المنطقة منذ عام تقريبًا قد تفاقمت بسبب الاشتباكات المميتة المتكررة بين القوات الحكومية التركية والسورية». وكما حمّل غوتيريس روسيا المسؤولية عن الأحداث الجارية، وذهب المجلس الأوربي في ذات الاتجاه بتحميل روسيا المسؤولية عن «الهجوم العسكري المتجدد في إدلب من قبل النظام السوري ومؤيديه، الذي تسبب في معاناة إنسانية هائلة» واعتبره «أمراً غير مقبول». فهل بدأت الأمور تقترب من عنق الزجاجة بتكتل أمريكي أوربي خلف تركيا في مواجهة روسيا المنهكة في سوريا؟ شخصيا، أشك في ذلك.
أكثر التأويلات قرباً إلى المنطق هو أن تركيا بمساعدة روسيا تحاول تنظيف مخلفاتهما في سوريا، أسوة بالولايات المتحدة الأمريكية التي قضت على زعامة داعش وتشكيلاتها العسكرية. وتقدم النظام السوري لبسط سيطرته على ما تبقى في الشمال السوري سيؤدي لا محالة إلى توفير تركيا ملجأ لجماعة النصرة أو هيئة تحرير الشام، وهو أمر لا أعتقد أن تركيا تريده في أي سيناريو مستقبلي. كما أن تمرير الجماعات السورية المصنفة إرهابية إلى ليبيا قد انكشف ووقفت أوروبا في وجهه بحزم. ولذلك فإن القضاء على الحلفاء الذين باتوا يشكلون عبئاً على تركيا هو الخيار الأسلم.