عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي شهدنا حدثين مهمين لمستقبلنا، ويخدمان توجهنا إلى (مزيج الطاقة السعودي)، وتجعلنا أكثر ثقة بإمكانات بلادنا، بالذات عندما نرى التطورات الإيجابية في جبهة الطاقة الأساسية والحيوية لاقتصادنا ولاستقرار بلادنا.
الحدث الأول يتعلق بإعلان سمو ولي العهد عن (حقل الجافورة) الجديد للغاز، الذي سوف يوجه لخدمة صناعاتنا الأساسية في البتروكيماويات مما يعطيها قدرة تنافسية جديدة، ويقلل استهلاك النفط محلياً. وهذا سيكون داعماً لتوجهات تعزيز مزيج الطاقة السعودي.
الحدث الثاني هو إعلان سمو وزير الطاقة عن إطلاق برنامج استدامة الطلب على البترول. هذه التوجهات الإستراتيجية بخصوص تحويل البترول إلى مواد كيماوية تأتي مواكبة للتوجه العالمي في صناعة الطاقة.. حيث تتجه الصناعة البترولية وصناعة البتروكيماويات، ومصافي البترول إلى التقارب والتكامل، بحيث يتم استثمار كل هذه الإمكانيات، وتعظيم فوائدها.
لذلك، فإن مستهدفاتنا ستكون لتعظيم القيمة المضافة من البترول مروراً بالبتروكيماويات التي سوف تجعل المملكة في الطريق الصحيح لتنويع مصادر الدخل، وسوف تمكننا من المحافظة على حصتنا السوقية لاستهلاك النفط في الأسواق الجديدة. أيضاً سوف تعظم القيمة المضافة من البتروكيماويات، وتجعل المملكة مركزًا رئيسيًا للأبحاث والتطوير في صناعة الطاقة، وسوف تجعلنا نساهم في تحويل البتروكيماويات إلى منتجات تخدم البيئة، وتساهم في خفض تكلفة التشييد والبناء، ولهذا أثره الإيجابي على القدرة التنافسية لصناعة الطاقة في المملكة، وستخلق مزيد من فرص العمل.
ولكن: كيف سيتحقق كل هذا؟.
البرنامج الذي أعلن عنه يستهدف استغلال المواد المصنعة من البترول مثل البوليمرات أو البلاستيك في استخدامات جديدة مبتكرة ومستدامة، وهذا يأخذنا إلى فتح أسواق جديدة للمواد المنتجة من هذه المواد، فهذه قليلة الاستخدام وحصتها بحدود 6 % من إجمالي المواد الرئيسة مثل الحديد والأسمنت والألمنيوم والزجاج والورق، وهذه النسبة القليلة تقدم فرصة لإحلالها مكان المواد التقليدية مثل الأسمنت والحديد والألمنيوم.
الجميل في هذا البرنامج، إذا تحققت تطلعاته بحول الله، إنه سيجعل المملكة تساهم عالمياً في خفض تكلفة البناء، وأيضاً تكلفة التشغيل والصيانة، وحماية البيئة. كذلك طبيعة البوليميرات تساعد على الإبداع في التصميم والبناء، فالخرسانة البوليمرية، بخلاف الأسمنت، مرنه وتساهم في توسع استخدامات الطباعة (ثلاثية الأبعاد) التي بدأت تطبيقاتها في بناء المساكن، والمملكة تعمل على تطوير (الخرسانة القابلة للثني وهي خرسانة مشكلة من البوليمر والهدف منها أن تكون في الأماكن المعرضة للزلازل، حيث تتميز بامتصاص الصدمات وقت الزلازل للحفاظ على الممتلكات والأرواح).
هذا البرنامج من مكتسباته بعيدة المدى حماية حصة استهلاك النفط من تطورات منتجات الطاقة البديلة المتسارعة، ونحن الآن في حالة عدم اليقين حول توقعات الطلب على النفط في المستقبل. هذا البرنامج لن تكون آثاره الإيجابية حكرًا علينا، فالأسواق الناشئة المستهلكة مثل الهند والصين وغيرهما سوف تستفيد صناعاتها من رخص مدخلات الإنتاج، وهذا يرفع الطلب على البوليمرات.
المهندس فهد العجلان مدير (برنامج استدامة الطلب على البترول)، في حوار نشرته الاقتصادية يأخذنا إلى آفاق جديدة تقدمها التقنيات المحفزة للطلب والتي تخدم الاحتياجات الإنسانية الملحة، ويوضح مدى إمكانية (توصيل وقود الطبخ إلى المنازل بواسطة تقنيات جديدة من خلال مدفوعات الجوال، حيث تكون ممكنة للتطبيقات، من خلال التمويل المتناهي الصغر لأسطوانات الغاز الخاصة بالوقود)، وهذه تساعد على (تعبئة هذه الأسطوانات من خلال مدفوعات الجوال، ومن خلال هذه الطريقة سيصل الوقود إلى شريحة كبيرة من السكان [في إفريقيا] الذين يصل عددهم إلى نحو 1.3 مليار نسمة، الذين يعانون شح الوقود النظيف وهو من أساسيات الحياة).
من النتائج الإيجابية لهذا البرنامج، كما يقول المهندس العجلان، هو قيامه على (ركيزتين إستراتيجيتين، هما: الابتكار والاستدامة وتسريع وتيرة التطوير التقني الذي من شأنه إحداث أثر كبير في أسواق التطبيقات الجديدة عن طريق الاستثمار في حاضنات التقنية الوليدة والناشئة في مجالات أبحاث البترول وإقامة شراكات لتسريع وتيرة تقدم البحث والتطوير في المجالات التي تمس تطبيقات البترول).
القيمة المضافة لهذا البرنامج على اقتصادنا سوف نرى أثره على الشركات الرئيسية التي تقع تحت منظومة الطاقة في المملكة مثل سابك وأرامكو وشركة الكهرباء وشركة المياه الوطنية، فهذه سيكون لها هدف إستراتيجي تسعى لتحقيقه انطلاقاً من مستهدفات اللجنة العليا لشئون المواد الهيدوكربونية التي يرأسها سمو ولي العهد.