محمد سليمان العنقري
بوصلة النمو الاقتصادي الجامح تتجه للقارة السمراء لم يعد ذلك محل جدال أو توقعات بل حقيقة واقعية انطلقت عجلة دورانها منذ سنوات وإذا كان النمو الاقتصادي الذي يفوق 4 % حالياً لم يظهر للعالم ماهي أبعاده المستقبلية لأن الناتج الإجمالي لقارة إفريقيا يتراوح حول تريليوني دولار أميركي حالياً لكن مع متوسط النمو السنوي الحالي الذي يتوقع له أن يستمر بنفس الوتيرة فإن حجم الناتج الإجمالي الإفريقي سيصل إلى 29 تريليون دولار بعد ثلاثة عقود أي العام 2050 م أي سيتضاعف حوالي 15 مرة ولذلك تبدو إفريقيا هي المنطقة الواعدة في العالم بالسنوات القادمة من حيث جذب الاستثمارات ونمو الحركة التجارية مع العالم.
لكن الملفت هو أسبقية الصين بالاتجاه لإفريقيا حيث تتواجد بعشرات الدول ويبلغ حجم استثماراتها حوالي 200 مليار دولار وحجم التجارة البينية ما يفوق 170 مليار دولار، وتشير تقارير عدة إلى أن حجم الشركات التي تعمل بإفريقيا بشكل مباشر وغير مباشر يصل إلى 10000 آلاف شركة مما يعني أن الصين باتت هي المهيمن على السوق الإفريقية حيث تقدم شركاتها كافة الخدمات والحلول للاقتصاديات الإفريقية وهذا يعني أن جل التكنولوجيا وتصاميم المشاريع والثقافة الإدارية في إفريقيا باتت صينية وهي المهيمن بها ومن يوجهها بل إنها افتتحت معاهد لتعليم اللغة الصينية في أغلب الدول الإفريقية التي تتواجد بها شركاتها بكثافة كبيرة كما أن هذه الشركات لترسيخ العلاقة الجيدة مع المجتمعات الإفريقية تقيم مشاريع تحت شعار المسؤولية الاجتماعية مما يضفي قبولاً كبيراً للصينيين في إفريقيا التي طالما اعتادت على الثقافة الأوروبية من الدول التي استعمرتها كفرنسا وإيطاليا وغيرهم. فهذا الغزو الاقتصادي صاحبه غزو مماثل ثقافي حتى تتمكن الصين تماما من التجذر بإفريقيا وتصبح هي الثقافة الرديفة الثانية لكل دولة تتمكن من التوسع بعلاقاتها معها فهذا يسميه بعض المحللين الإستراتيجيين الغربيين نوع من الاستعمار الجديد أي بفكر مختلف وبطرق تلقى القبول والرغبة من الدول الإفريقية لأنه يقوم على الشراكة الاقتصادية التي قامت على ركيزتين «التجارة والاستثمار « فمن الواضح أن الدول الغربية أصبحت تواجه منافسة معقدة مع الصين بإفريقيا لأنها أهملت التوجه لها بينما اختارت الصين إفريقيا لأنها ستمثل سوقاً استهلاكية ضخمة لسلعها بعيدا عن هيمنة أميركا وأوروبا على النصيب الأكبر من صادرات الصين وهو ما تراه خطراً عليها لأن تلك الدول منافسة لها ويمكن أن تؤثر على نمو اقتصادها إذا ما أشعلت حروبا تجارية معها وهذا ما قامت به أميركا مع الصين مؤخراً فالنمو الكبير للاقتصاد الإفريقي سيمثل سوقا رئيسيا للصين يفوق السوقين الأمريكي والأوروبي معاً وبدون ضغوط ومواجهات كالصراعات التجارية فالدول الإفريقية تبقى ضعيفة أمام الصين والمصلحة ستكون ملهمة للطرفين ليعمقا من حجم الشراكة بينهما فلا تاريخ دموي للصين بإفريقيا كما فعل الاستعمار الغربي الذي بحسب ما أرخه الأفارقة كان استعماراً فظيعاً قتل الكثير من الإفريقيين وسرق ثرواتهم ولم يترك فيهم إلا الخراب والتخلف.
الصين اليوم أصبحت تقود قارة إفريقيا نحو التنمية وشركاتها تنتشر في حوالي 49 دولة أفريقية وتعمل بأهم مفاصل اقتصادها بمشاريع الطاقة والبنى التحتية وتستثمر بأراضي زراعية وبذات الوقت ترسخ ثقافة الصين ولغتها بالمجتمع الإفريقي، فالعالم يخشى من الصين لقوة انتشارها العالمي وامتلاكها لسلاسل الإمداد لأنها مصنع العالم ويخشى عليها من أي تراجع بنموها الاقتصادي لأنها من تقود الطلب العالمي على السلع والخدمات وهذا ما ظهر بالقلق والمخاوف التي أطلقتها العديد من المؤسسات المالية العالمية وصندوق النقد من أن تطول أزمة تفشي فيروس كورونا بالصين وأن يتسبب ذلك بتراجع نموها الاقتصادي.