حمّاد السالمي
* من منكم في زمننا هذا؛ وفي بلداننا العربية على وجه خاص؛ يعيش نهاره ويمسي ليله؛ دون أن يرى مشاهد مفزعة مفجعة للقتل والتشريد والدمار والخراب..؟ الإنسان العربي يقتل أخاه الإنسان، ويرهبه ويذله بقوة السلاح. السلاح.. السلاح. ما قصة هذه الأداة التي تقتل وترهب وتذل؛ وفي أحيان أخرى تتدخل، لتمنع الذل والإرهاب والقتل، وتمنح السلام..؟ ألم يقل المتنبي:
السّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ..؟
* منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض؛ وهو رهين أداة من صنعه، في حدها الحد بين حياته أو موته. إنه السلاح الملازم للإنسان في حله وترحاله. هل يأتي يوم ونرى إنسانًا يعيش بمعزل عن هذه الأداة التي بدأت بعصي خشبية، ومدببات حجرية، ثم لم ولن تقف عند صاروخ عابر للقارات، ولا غازات سامة، ولا أسلحة دمار كيميائية ونووية وبيولوجية..؟
* السلاح في اللغة: اسم جامع لآلة الحرب، في البر والبحر والجو. الجمع أسلحة، يُذكّر ويُؤنّث. وقد ارتبط السلاح بالإنسان منذ القدم، حتى أن كل إنسان في بعض الظروف الصعبة؛ لا يستغني عن حمل السلاح، فهذا المتنبي يقول في شعره:
إن السلاح جميع الناس تحمله
وليس كل ذوات المخلب السّبُعُ
ويقول:
ومن طلب الفتح الجليل فإنما
مفاتيحه البيض الخِفاف الصوارم
* من المؤكد أن الحاجة للسلاح- السلاح المادي تحديدًا- ظهرت مع بدء البشرية، فالإنسان الأول؛ اتخذ أسلحة من الحجارة وأعواد الأشجار، مما سُنّن ودُبّب، وكانت حاجته قائمة لذلك، للتكيف مع البيئة، ولصيد الحيوانات، وقطع الأشجار، وفي حالة أخرى؛ للدفاع عن نفسه من الحيوانات المفترسة، والزواحف السامة، ومقاومة إنسان آخر قد يعتدي عليه في دمه أو ماله أو عرضه.. إلى غير ذلك. هناك أسلحة كثيرة غير مادية: أشهرها سلاح الأفكار وما أدراك ما سلاح الأفكار، وسلاح الإعلام وغيرها؛ ليست موضوعنا هنا.
* هذه الصورة، يمكن أن تنطبق على العربي عموماً، وإنسان الجزيرة العربية بوجه خاص. إن الطبيعة الجغرافية في هذه الأرض، من جبال شاهقة، وأودية سحيقة، وصحارى جافة، كانت موحية لمن عاش ويعيش فيها، أن يتخذ ما هو متاح من وسائل لضمان بقائه، ولتطوير حياته، وتدبير معاشه.
* برزت دواعي اتخاذ الأسلحة لغرضين ابتداءً. الأول هو: لفرض الهيمنة والسيطرة والتوسع والاستغلال، ومدافعة الخصوم وتأديبهم. والثاني: لمجرد إخافة أعداء محتملين. لكن ما لبث السلاح أن أصبح جزءًا من ثقافة الإنسان وحياته، يلازمه في مظهره ومخبره، فأخذ شطراً من تفكير الناس، ومن مالهم وجهدهم ووقتهم، ودخل تجارة فيما بينهم، وأضحى صناعة تقليدية.
* ظهور السلاح في حياة العرب على ما يبدو، بدأ هكذا: اضطراراً.. ثم حل بعد ذلك للتماجد والتفاخر، وصار مكملاً لشخصية الرجل العربي، ومتممًا لزينته، ورمزًا لشجاعته، ودلالة على فحولته. وفي حقب تاريخية بعيدة؛ كان السلاح هو اللغة الوحيدة للتفاهم بين العشائر والقبائل في عموم الجزيرة العربية، وهو أداة الغزو والنهب والسلب، وهو الذي يرجح غلبة قبيلة على أخرى، حتى تكونت وتوحدت هذه البلاد المباركة؛ في كيان مهاب هو: (المملكة العربية السعودية)، على يد الملك الموحد والمؤسس (عبد العزيز آل سعود) رحمه الله، فانمحى التشرذم، وانتهت الفوضى، وزال الخوف، واستتب الأمن، فانتفى معه الدور الدموي والعدواني للسلاح، وظل دوره الرمزي في ثقافة المجتمع عمومًا، وسُنّ ترخيص الشخصي منه؛ بموجب تنظيم حضاري رائع وسابق في هذه البقعة من العالم. شكرًا بلادي الجميلة.
* إذن.. من الحجر المسنن، إلى العود المدبب، إلى الحديدة المحددة والنارية. هكذا تدرجت آلة السلاح في حياة عرب الجزيرة العربية. كانت العصا والعُصيّة، وكانت السكين، ثم الخنجر والرمح والجمبية، ثم جاءت البندقية النارية، ثم المسدسات والرشاشات. يقال بأن البندقية الأوروبية، دخلت الجزيرة العربية عام 1879م. مع أن الثقفيين في الطائف؛ عرفوا الضرب بالمنجنيق من الروم قبل الإسلام، وهو سلاح ناري، واستخدموه في غزوة الطائف عام 8هـ.
* سأل عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - عمرو بن معدي كَرِب - شاعر العرب وفارسها. سأله عن السلاح فقال: الرُّمح أخوك، وربَّما خانك، والنبل منايا تخطئ وتصيب، والتُّرس هو المجن، وعليه تدور الدوائر، والدرع مشغلة للفارس، متعبة للراجل، وإنَّها لحصن حصين.
* بعد أن أصبح السلاح سلعة تجارية عالمية رابحة؛ وقوة مادية غالبة ورادعة؛ ما مصير البشرية التي خاضت حربين عالميتين مدمرتين..؟ هل تخوض حربًا عالمية ثالثة؛ لا تترك للبشرية من هذا السلاح سوى البدائي منه..؟ يقول (البرت أينشتاين ت 1955م)؛ وهو عالم فيزيائي ألماني: (أنا لا أعرف السلاح الذي سيستخدمه الإنسان في الحرب العالمية الثالثة، لكني أعرف أنه سيستخدم العصا والحجر في الحرب العالمية الرابعة).