د. خيرية السقاف
مع أن أمر مكافحة الفساد قائم على أشده في مجتمعنا، ويأخذ توجها اجتماعيا عالي الهمة، شديد العزم، واضح الخطوات، مقنن الإجراءات، فإن التخلص من الفساد الإداري والمالي كأول منطلقات الرؤية التي يسمها المختصون بالمبدعة الخلاقة، أصبح يشغل بعناية الجميع، ومدار أحاديثهم، وطرح أمثلته من خلال ما يجدون، أو ينقل إليهم عن ثقاة، ولأن سبل الإبلاغ عن الفساد غدت ذات مرجعية نظامية، ونتائج قانونية، فإن النزاهة، والموضوعية، والصدق، والجدية، أول شروط البنية الأساس لأية مؤسسة، بل لأي فرد في خضم خلية المجتمع حيث العمل، العطاء، والأخذ، وضمن شروط الأمانة، والصدق، والتجرد، والنزاهة، والقناعة، والطموح، فلا فسادا ظاهرا، ولا فسادا مبطنا، لا خططا توضع في فراغ، ولا مشاريع تنشأ في وهم، ولا حقا يتوه في دواليب، ولا سطوا بيد أو لسان، لا انحيازا لأفراد، ولا تجريدا من استحقاق..
والذي تسوِّل له نفسه بشيء من هذا، عليه أن يتذكر أن حاجز النزاهة مرفوع في طريقه..
ومع ذلك يبقى في أروقة كثير من مؤسسات المجتمع من الفساد ما لا تزال فيروساته تنبض، وتتخفى، بينما عللها ظاهرة، أو كامنة..
ولعل أسوأ بيئاتها ما يكون في جوانب من مؤسسات التعليم، والصحة، والخدمة المجتمعية..
ومنها على سبيل المثال لا الحصر أمر الواجبات البحثية، وأوراق العمل الدورية التي يُطالب بها الدارسون، ويقوم بها غيرهم لا تزال قائمة بفسادها عند بعضهم، وما دامت مكتبات الطلاب التجارية، ومواقع التواصل المنتشرة مشرعة لمساعدتهم، مع غفلة أساتذتهم في التدقيق، والمقارنة، وإيفاء المنهج، والوقت الحق الذي يبيد هذه الآفات المفسدة لجدية التعلم، والتعليم إبادة مطلقة..
كما لا زالت هناك الكثير من مشاريع طموحة قيد الأفكار، والأوراق في مؤسسات مختلفة، ولم تقم على ارتفاع ملليمتر على أرض الواقع، وهي لا تزال كلمات على الورق لم يتم رفع مكعباتها..
ومنها أن عضو هيئة التدريس في بعض الجامعات لا يزال يعامل كالموظف الإداري ولا يفرغ للبحث، والتدريس من أجل نتائج في اختصاصه تعيد للجامعات هيبتها البحثية، والمعرفية، والعلمية، ويتعرض للمساءلات الإدارية مما قد يشيع روح التذمر، وعدم الرضا..
ومنها استمرارية عناصر لا تواكب المعارف المعاصرة، ولا تتجاوب مع طموحات المرحلة فيكونون عبئا على مجريات التحول، وطموحات التنفيذ لبنود الرؤية..
كما أن هناك أنواعا من الفساد يصعب رصدها بأدلتها، حين تكون سلوكا لدى الأفراد، فكيف إن هي جزء من سلوك رؤساء، ومتنفذين، جئت بالحديث في هذا في مقالة سابقة؟!..
إن طموحات التحول، وبنود التغيير للأفضل تؤكد أهمية استتباب النزاهة وجعلها قيمة سلوكية، وسلوكا تلقائيا يحسن بنا أن نشارك كل من أوكلت إليه أمانة القيادة في مؤسسته أن يلتفت إلى الزوايا المهملة فيها، وأن يؤطر حسن ظنه، وثقته المطلقة بمحكات دقيقة حتى تثبت له نتائج مركزة في شأن مصداقية خلو مؤسسته من ذرات أغبرة فساد مهما كان حجمه، ومهما كان مصدره.