أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
إياكم ومعاهدة ربنا الرؤوف بالعباد:
قال أبو عبدالرحمن: ما يحبه ربنا سبحانه وتعالى من أمرين مستحسنين، أو سنتين مؤكدتين، أو واجبتين: فأضمروا في قلوبكم فعل ما يرضاه ربنا سبحانه وتعالى، وترك ما لا يرضاه، ولا تعاهدوا ربكم على الفعل أو الترك ؛ فإن وفيتم بدينكم فأنتم من الفائزين، وإن لم تفوا فاستغفروا ربكم كثيراً مئة مرةٍ أو أكثر؛ فإن الاستغفار يمحو السيئات؛ فأنتم تعلمون قول الصحابة رضي الله عنهم: (إذن نكثر)؛ أي نكثر من الاستغفار؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه: (الله أكثر)؛ أي أكثر مغفرة؛ وليس الأكثر من أسماء الله الحسنى، ولا من صفاته؛ ولكنه من أفعاله ووعده.
قال أبو عبدالرحمن: وأما المعاهدة فأمرهاخطير جداً.. قال الله سبحانه وتعالى عن المنافقين: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} (75 -77) سورة التوبة؛ فكان الجزاء الطبع على قلوبهم بالتوحل في النفاق إلى يوم يلقون ربهم ؛ والمنافقون في الدرك الأسفل من النار؛ ويبين ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ، وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (84 -85) سورة التوبة، وقال الله سبحانه وتعالى عن عموم العهد: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا} (15) سورة الأحزاب، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (77) سورة آل عمران، وقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (25) سورة الرعد.
قال أبو عبدالرحمن: ونتائج معاهدة الله تكون حسب نوع المعاهدة؛ فإن كانت المعاهدة تقتضي الطبع على قلوبهم: فذلك بين كما أسلفته آنفاً، وإن كانت المعاهدة على ترك فعلٍ سيىءٍ مضرٍ بالصحة غير مخرج من الملة: فالعقوبة تكون بإنهاك الجسد في الدنيا؛ ومغفرة الله فوق ذلك يوم القيامة إن رجحت حسناته على سيئاته.. مثال ذلك معاهدة الله على ترك شرب الدخان؛ فإنه إن نكث: فقد عرض نفسه بالابتلاء بشرب الدخان مدى حياته إلا أن يعفو عنه ربه؛ لأن معصيته غير مخرجةٍ من الملة؛ وخير من ذلك أن لا يعاهد ربه؛ لأنه لا يملك الوفاء بذلك؛ بل يضمر الترك، ويجتهد في مقاومة الشفط من الغليون، أو من السجائر المتقنة الصنع المعتقة، ومرسوم عليها التحذير منه؛ لأنه مهلك الصحة.
قال أبو عبدالرحمن: بليت بشرب الدخان ردحاً من الزمن، وميزانيتي غير معتدلة؛ فتارةً يكثر رزقي من بيع كتبي مثلاً؛ فأغدق على أقربائي وأصدقائي، ثم أزداد شفطاً ؟؟!!.. وتارةً يشح الدخل فأزداد شفطاً أيضاً؛ لأن قلة الدخل تغدق على الشفط.. وآخر مرة تركت الدخان بلا رجعة؛ ومع كثرة الرزق في يدي: كنت أبكي، وأناجي ربي بقولي: ما أصابني من حسنةٍ فمنك ياربي، وما أصابني من سيئةٍ فمن نفسي، وكان الشفط يحرمني من المسجد إلا أن أقرض ما يعد للقهوة، وهو نوعان مع المبالغة في البخور، ومسح الفم بالطيب.. ومن دعائي: اللهم ياربي اكفني شر هذا البلاء سابقاً ولاحقاً، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين؛ فإني رذلت نفسي بنفسي في شماتة أقرب الناس إلي، ويزداد بكائي وإجهاشي، ولا يبلغ تناولي لذلك البلاء أكثر من الخمس المعتاد؛ فجاء الفرج من ربي بتركه دون عناء، أو تأسفٍ على ذلك العناء.. أسأل الله تعالى جلت قدرته أن يحفظ متناوليه بالعصمة العاجلة، والكراهية له، والله المستعان.. وههنا ذنب آخر؛ وهو إضاعة المال الذي حذر منه ربنا سبحانه وتعالى على لسان عبده ورسوله محمد بتحريمه (قيل وقال، وإضاعة المال).. إلا أن ذلك بحمد الله غير مخرجٍ من الملة، ومثل ذلك تخزين (القات)؛ والأدهى من ذلك القاضي بانتهاك المحرم قطعاً: أن يشرب كأساً معتقاً من الخمر إذا أراد النوم بعد التخزين؛ فتلك سنة النآسي (؛أي أبي نآسٍ) وباطيته؛ إذن تعين إضمار النية ترك شرب الدخان، والإلحاف على ربه سبحانه بالدعاء إن عجز، ولا سيما في الأوقات المضمون فيها إجابة الدعاء كالثلث الآخر من الليل ؛ فإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.