سهام القحطاني
لماذا أيها الشرقي، فيك شيء من بقايا شهريار، غير أن الرجل الشرقي، لا يرضى بدور غير أدوار البطولة» -سعاد الصباح-
قد لا تكون حكايات الحب التي خلدها التاريخ العربي حقيقية، لكن كونها غير حقيقية لا تعني أنها غير ممثلة لنسقية الفكر الاجتماعي الذي كان سائداً في تلك الحقبة وانعكاساً لتفاصيل العلاقة بين المرأة والرجل.
في حكايات الحب، غالباً ما يعلو صوت الرجل وتبرز صورته وصراعه مع ذاته، في حين أن صوت المرأة غائب وصورتها مختبئة بفعل مقصود مع أن حكايات الحب هي ثنائية بالترادف.
ومؤشرات الحضور والغياب في ثنائية ترادفية مثل سردية الحب، تحفزنا على البحث وراء هذا التناقض العجيب لثنائية صريحة بالترادف وظاهرة بالتشارك.
لاشك أن حكايات الحب ليست محررة من ثنائية التشابك بين الذهنية الجمعية والأنثوية؛ فهي قد تكون من أوضح مؤشرات تلك الثنائية بنسخة مختلفة لكن مضمونها حامل لذات العقلية التي شُكِلت بتأثير سلطة نسقية تلك الثنائية في خلفياتها التكوينية.
يبرز صوت الرجل وصورته وحالته في سردية الحب مقابل غياب حقيقي للمرأة كطرف ترادفي في الحكاية والاكتفاء بتحويلها إلى «ضمير رمزي» مما أعاق أي تكافؤ وجودي ووجداني في سردية تلك الحكاية.
ومؤشر الفاعلية الصريحة الممثلة للرجل مقابل مؤشر رمزية الاستتار الممثلة للمرأة، مؤشران لعلاقة المرأة والرجل ضمن الثنائية المتشابكة التي تربى عليها ذهن الرجل بأفضليته على المرأة وبقوته وسلطته في التحكم، وهي دلالة انعكست من خلال سردية الحب.
فتغيب صورة المرأة عن مشاهد الحب وإظهار الرجل «بصورة فاقعة» تكشف لنا سلطة الفحولة سواء في مستواها الذكوري أو مستواها السردي، لينفرد بدور البطولة المطلقة في تلك السردية ذات الترادف الثنائي، لتصبح المرأة كمستتر رمزي مجرد «عروس ظل يتحكم في إدارة مشاعرها وأفعالها، وتلك الإدارة هي مؤشر على سلطة وصاية الرجل على المرأة التي كانت سائدة في المجتمع العربي.
كما أن تغييب صوتها الشخصي عن تفاصيل سردية الحب وإبراز صوت الرجل سواء كناطق رسمي عن تلك السردية أو ممثِل لصوتها بالحضور أو الإنابة، هو مؤشر على تعمد مٌصادرة لغتها واستعمار شخصيتها الأسلوبية، لتظل مجرد ظل دون أي صفات اعتبارية.
لأن إظهار المرأة بصورة وجدانية متكافئة مع الرجل في سردية الحب كان يعني انتقال الرجل من مستوى سلطة المتحكِم إلى مستوى المشارك الوجداني صورة وصوتاً ولغة وأسلوباً وهو ما يعني «الحضور الحيّ للمرأة» في واقعه الفاعل، وهو حضور يعني المنافسة على مركزية الضوء والوجود التعبيري، وهو وجود يضر برمزية فحولته الدالة على «الاكتمال والكلية والقدرة على الاكتفاء التمثيلي لتلك السردية».
لذلك تُعتبر مباردة المرأة بالبوح الأول لحبها للرجل قبله هو انتقاص للمرأة.
والحقيقة أن هذا الترسيخ لبدء تفعيل سردية الحب المقصود به حماية أحادية سلطة الفحولة؛ باعتبار استحقاقها الاكتفاء التمثيلي للسردية والهيمنة عليها والمتحكم في خلقها، فالرجل هو الأول دائماً.
والأمر الآخر ولعله المؤشر الأبرز في هذه السردية «دلالة العقاب» التي تصيب الرجل المُحِب، وهي غالباً ما تكون «ذهاب العقل» أو «الهم» أو النهاية «المؤلمة».
وهي مؤشرات تعيدنا إلى التأثير السلبي للمرأة على الرجل، فحبها لا يجلب للرجل إلا الجنون والتوهان والهم والألم، وهي خلفية مرتبطة بثيمة «فتنة المرأة وقالبها الشرير».
وبذلك تصبح سردية الحب الوجه الجميل للثنائية المتشابكة، كما كان لتلك السردية الأثر في خلق «الفحولة الموازية»، وهذا حديث آخر.