حمد ناصر الدُّخَيِّل
الطريق الذي يصل الفشخاء بالمرقاب يقدر بنحو خمسمائة كيل، وعلى امتداده مناهل يتزود المسافرون عبره بالمياه منها، ومنها منهل الأرطاوية التي تحولت إلى هجرة لمطير، وبدأ البناء بها عام 1330هـ/ 1912م(15)، وهذا التاريخ يتزامن مع رحلة بطلة القصة من الفشخاء إلى الكويت، وتبعد الأرطاوية عن المجمعة بنحو سبعين كيلاً، والذين سلكوا الطريق في تلك السنة شاهدوا بداية البناء في الأرطاوية التي تحولت منذ ذلك التاريخ إلى بلدة،
ثم يرد المسافرون بعدها أم الجماجم، وهو منهل يبعد عن المجمعة بنحو مائة وعشرين كيلاً، وأصبحت بلدة منذ زمن طويل، ثم يمرون بحفر الباطن (حفر أبي موسى الأشعري قديماً)، ويبعد عن المجمعة بنحو ثلاث مائة كيل، ويواصلون الرحلة إلى منفذ الرقعي بمسافة تقدر بثمانين كيلاً. وبين الرقعي والمرقاب مائة وعشرون كيلاً، وسير القافلة الرفيق يمكن أن يقطع هذه المسافة من خمسة عشر يوماً إلى عشرين يوماً، إذ متوسط سير القافلة في اليوم ثلاثون كيلاً، وتسمى بالمرحلة. أما النجائب فتقطع هذه المسافة في نصف المدة، وسمعت أن بعض النجائب تقطع في اليوم الواحد مائة كيل، أي ثلاث مراحل.
والمرأة الحضرية تركبُ في الكواجة، وهي مصنوعة من الخشب، وتوضع فوق ظهر الناقة، وهي تشبه الهودج إلا أنها أصغر منه، وأقل ترفاً، وهي صناعة محلية، وتغطى بملاءة أو نحوها؛ لتستر المرأة عن الرجال، وربما حملت الناقة كواجتين يتعادلان على جنبي الناقة أو البعير. وكانت الكواجة وسائل حمل النساء النجديات إلى الحج، وربما تجفل الناقة، وتسرع في سيرها فتسقط الكواجة على الأرض، كما حدث لعمتي هيا بنت حمد بن سليمان الدُخيِّل أم يوسف (1322 ـ 1421هـ) ذهبت للحج مع والدي في إحدى السنوات، وفي الطريق جفلت الناقة، فسقطت الكواجة بمن فيها، ولكن الله وقاها أذى السقطة، واللفظة كانت شائعة في لهجة نجد، ولكنها اندثرت مع ظهور السيارات كغيرها من الألفاظ العامية الكثيرة التي غابت بغياب مسمياتها. وجيل الشباب لا يعرفها إذا ذكرت له. والكواجة لفظة فارسية (كَواجو، كَواجه).
الإهداء:
أهدت الكاتبة قصتها إلى بطلتها بالعبارة الآتية:»إلى روحٍ قد حملتْ سيرتُها لنفسي قدرة تفوقها على العِنَاق، إلى أمي نورة الحسيني بطلة هذه القصة». ولفظة (روح) كتبت في عبارة الإهداء منصوبةً، ولم أر لها وجهاً مناسباً من الإعراب فأثبتها مجرورة بحرف الجر.
نسب بطلة القصة:
نسبت الكاتبة آل الحسيني أو الحسانا إلى النواصر من تميم، ولا أدري من أين أخذت هذه النسبة! فمن الثابت أن آل الحسيني من الوهبة من تميم كنسب الكاتبة تماماً كما ذكرت من قبل، وربما أقدم جد الكاتبة الأعلى من الإصهار إلى أسرة الحسيني بحكم الاشتراك في النسب القريب، ولابد أن تكون بينهما معرفة سابقة، وأنه كان يزورهم في الفشخاء، فأتى هذا الزواج متمماً لمعرفة سابقة.
وبطلة القصة زارت الفشخاء بعد زواجها أكثر من مرة، وكانت تنزل عند عبد العزيز ابن أخيها إبراهيم الذي سبق ذكره بصفته أكبر من أخويه عبد الرحمن وأحمد. وفي إحدى هذه الزيارات رأيتُ ابنها عبدالكريم ومعه إحدى كريماته التي تصغرني بنحو ثلاث أو أربع سنوات في منزل عبد العزيز، ولا زلت أذكر اسمها (غنيمة) تمل من المكث في البيت الصغير فتخرج وتجلس عند عتبة الباب، ولا زلت أتصورها نظيفة أنيقة بيضاء اللون، كان ذلك نحو عام 1376هـ أو 1377هـ. وكان المنزل ملاصقاً لمنزلنا. في ذلك الوقت كنا أبناء قرية يعلو الغبار ملابسنا ووجوهنا، فلا ماء يتدفق من الصنابير، ولا كهرباء ولا مواقد غاز، ضو (كذا نسميها) توقد بما تخلفه النخلة من عسبان وكرب وعراجين. أما الضيوف فنشعل لهم حطب الأرطى ذا الرائحة العبقة يجلبه الرجال على ظهر المطايا من النفود، غربّي سهل الحمادّة. واقترح تعديل نسب بطلة القصة ص 7 إلى: «آل الحسيني (الحسانا) من شيوخ المجمعة، ومن أسرها الكريمة المعروفة، من الوهبة من بني تميم».
محاور أحداث القصة:
في ثنايا الصفحات الماضية ألمحت إلى شيء غير قليل من أحداث القصة، مما أسهم في تصور القارئ لمضمونها. ويرى القارئ أنني أطلت فيما يمكن أن نسميه عتبات القصة، وأضفتُ معلومات ذات علاقة بمضمونها، فربما تستفيد منها المؤلفة في نشرة قادمة. والمحاور التي تدور حولها، وهي ثلاثة طبقاً لما دونته الكاتبة عن جدة أبيها التي تدعوها أمها تعبيراً عمّا تكنه نحوها من حب وعاطفة وشفقة.
المحور الأول: حديث بطلة القصة - بأسلوب المؤلفة - عن البيئة القروية التي نشأت فيها قبل زواجها ورحيلها، وبراعة الكاتبة في وصف نمط الحياة الذي عاشته مع والدها وأمها وإخوتها في الفشخاء القرية الصغيرة، وما كان يلم بهم من فقر وجوع أيام المجاعة التي نزلت بنجد في تلك الأيام. وأجادت المؤلفة في تصوير الحوار الذي كان يدور بين الأب والأم عن ظروف المعيشة الصعبة «وشتبيني أسوي يا مره. أطر!!؟؟»، والحوار الذي كان يجري بين الأم وبنتها عن شؤون الزواج والرحلة والفراق. وأبان الحوار عن شخصية الأب الرجولية، وشخصية الأم الصابرة العاقلة، وشخصية البنت المطيعة المستسلمة لإرادة والديها.
حقاً كان حواراً جميلاً صيغ بأسلوب أدبي، ووصف دقيق للمجاعة التي ألمت بنجد آنذاك. المحور الثاني: عقد القرآن، ومفارقة الأهل والديار، وما صحب ذلك من الحزن، وتأجج العواطف ومغالبة الدموع، ومعاناة ألم الفراق إلى بلاد بعيدة. ثم وصف الرحلة الشاقة عبر الصحراء الجرداء، وما كان يقع بين الزوج والزوجة من أحاديث متقطعة. وأحسنت الكاتبة حين استشهدت بأبيات تناسب المقام للصمة القشيري، وتروى أيضاً ليزيد بن الطثرية، وبعض أبياتها تنسب لابن الدمينة، ووردت في الأبيات المختارة أخطاء ينبغي تداركها في نشرة أخرى، ويَحسُن تخريجها على ديوان أحد هؤلاء الشعراء. وهي كلها منشورة.
المحور الثالث: الوصول إلى الكويت والاستقرار فيها مدة خمسة وستين عاماً بالتاريخ الهجري، ويبدأ هذا المحور من ص 49 بعنوان (المرقاب)، ويضم عشر فقرات، ثم عنوان (السالمية) ص 81 ويتضمن أربع فقرات، ثم عنوان (الوسمة) ص 95 ويتكون من فقرة واحدة. ثم عنوانات (الوسمة، القادسية، الخالدية) ثم عنوان (المجمعة أخيراً) ص 107، وما تضمنه من حديث يقطر ألماً وحزناً وحسرة، هو فراق دنيوي، والعنوانات ابتداء من عنوان المرقاب أسماء أحياء في الكويت سكنت فيها بطلة القصة.
وفي هذا الحوار وصف ثري، وحوار ممتع، ومكاشفة فيها صراحة وموضوعية، أعده جزءاً من سيرة ذاتية لأسرة بطلة القصة وأسرة الراوية. وقصة (بين المجمعة والمرقاب) فيها ملامح من السيرة الذاتية والرحلة الأدبية والقصة، تأخذ من السيرة الذاتية والرحلة الوقائع الحقيقية وتدوين مراحل حياة بطلة القصة، وتأخذ من القصة سردها الأدبي الممتع الذي يوظف الصورة والخيال والشعور والحوار ونبضات الوجدان، والانفعال بوقع الأحداث والتأثر بها؛ ولذلك فهي تأبى التلخيص، لأن أجزاء القصة تمثل وحدة فنية متماسكة، أشبه بالوحدة العضوية في الشعر، وتلخيصها تشويه لجمال السرد وفنيّة القص؛ فربما يكون ما ترك أفضل مما اختير.
ولدي ملاحظتان على هذا العمل الذي استمتعتُ بقراءته:
1 - الراوية أجرت معظم حديث بطلة القصة باللهجة الكويتية حتى بينها وبين أمها النجدية قبل أن تسافر إلى الكويت، علماً بأن الفارق بين اللهجتين ضئيل. واللهجة الكويتية - كما سمعتها كثيراً - تضم ألفاظاً وتعابيرَ وأمثالاً شائعةً في لهجة نجد(16).
2 - الأخطاء اللغوية والإملائية والطباعية، وكثرتها تتجاوز المألوف.
ويمكن تدارك هاتين الملاحظتين في نشرة قادمة.
والخلاصة أن الكاتبة تملك الموهبة والقدرة في الإبداع في فن السرد والقص والرواية. وهذه الباكورة من الإبداع السردي تؤيد ما أراه. وأحداث القصة تحتاج إلى قراءة أخرى.
الحواشي والمصادر والمراجع:
(1) موسوعة المورد، منير البعلبكي، الطبعة الأولى، بيروت، دار العلم للملايين، 1980، 2/57.
(2) الهنود الحمر، د. علي عبد الواحد وافي، دار المعارف بمصر، 1950م.
(3) انظر نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصِّرين، محمد عبد الله عنان، الطبعة الثالثة، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1386هـ/ 1966م، ص 188 وما بعدها.
(4) الموسوعة العربية الميسرة، مجموعة من الخبراء والمتخصصين، إشراف: محمد شفيق غربال، القاهرة - نيويورك، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، مطابع دار الشعب، نسخة مصورة من طبعة عام 1965م، ص 1511، والموسوعة الثقافية، مجموعة من المتخصصين، إشراف: د. حسين سعيد، دار المعرفة، ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة - نيويورك، مطابع دار الشعب، 1972م، ص 826.
ومن عجائب المصادفات أن إيزابيلا ملكة قشتالة الكاثوليكية جهزت ثلاث سفن لكولومبس كما مر في المتن، وأمدته بالرجال والعتاد والمؤونة؛ لاكتشاف العالم الجديد، في الوقت الذي كانت وزوجها الملك فرناندو يهجمون بجيشهم على مملكة غَرْناطة، ويقوضون دولتها العربية الأخيرة في الأندلس.
(5) العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومَنْ عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، الجزء الثالث، قرأه وعارضه بأصوله: إبراهيم شبوح وزميلاه، تونس، القيروان للنشر، 2013هـ، ص 214.
(6) المصدر نفسه.
(7) انظر - على سبيل المثال - علماء العرب في شبه القارة الهندية، يونس الشيخ إبراهيم السامرائي، بغداد، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، 1986م. وذكر المؤلف أنه سيصدر الكتب الآتية:
أ - العرب في جنوب شرق آسيا.
ب - العرب في بلاد فارس.
جـ العرب في دول إفريقيا. ولا أعلم عنها شيئاً.
(8) انظر: إمارة الزبير بين هجرتين بين سنتي 979 - 1400هـ، عبد الرزاق الصانع، وعبد العزيز العلي، الطبعة الأولى، الكويت، مطابع مقهوي، 1406- 1408هـ/ 1985 - 1988م، والزبير وصفحات مشرقة من تاريخها العلمي والثقافي، عبد العزيز بن إبراهيم الناصر، الطبعة الأولى، الرياض، المؤلف، 1431هـ/ 2010م، ولمحات من ماضي الزبير، محمد بن سعد الرقراق، الطبعة الأولى، الرياض، المؤلف، 1415هـ/ 1994م.
(9) ينظر أنساب الأسر والقبائل في الكويت د. أحمد عبد العزيز المزيني. الطبعة الأولى، الكويت، ذات السلاسل، 1415هـ/ 1994م، وتاريخ نزوح العائلات الكويتية العريقة إلى الكويت، فوزية صالح بن سيف الرومي، الطبعة الثانية، الكويت، المؤلفة، 2011م.
(10) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، إبراهيم بن صالح بن عيسى (1270- 1343هـ) أشرف على طبعه: حمد الجاسر، الطبعة الأولى، الرياض، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، 1386هـ/ 1966م، ص 184.
(11) المصدر السابق، ص 223.
(12) تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزَّبيدي الحسيني (ت 1205هـ)، الجزء: 37، تحقيق: مصطفى حجازي، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2001م، مادة (حزي) ص: 423.
(13) استفدت هذه المعلومة عن المرقاب من الدكتور الصديق عبد الله القتم الأستاذ في كلية الآداب بجامعة الكويت.
(14) استفدت بعض المعلومات عن أسرة آل الحسيني (الحسانا) من الإخوان الكرام: أحمد بن عبد العزيز بن إبراهيم الحسيني، وفهد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الحسيني، وإبراهيم بن أحمد بن إبراهيم الحسيني، أحفاد إبراهيم بن عبد الله بن محمد الحسيني شقيق بطلة القصة من أمهما سارة بنت إبراهيم بن يحيى الدخيل، وذلك في منزل أحمد بن عبد العزيز في المجمعة، عصر يوم الثلاثاء 12-12-1440هـ = 13-8-2019م.
(15) انظر بحث: الأرطوية أو بلدة جديدة في ديار نجد، سليمان الدَّخِيل (صاحب صحيفة الرياض في بغداد ت 1364هـ/ 1945م)، لغة العرب (مجلة) لصاحبها: أنستاس ماري الكرملي، المجلد الثاني الجزء 11، جمادي الآخرة 1331هـ، أيار 1913م، ص 481 وما بعدها، ونشأة الإخوان ونشأة الأرطاوية، عبد الله بن عبد المحسن الماضي، الطبعة الثالثة، الرياض، المؤلف، 1437هـ / 2016م، ص 35.
(16) لوجود شبه كبير بين الأمثال النجدية والكويتية ينظر: الأمثال الكويتية المقارنة، لأحمد البشر الرومي (1905-1982م)، وصفوت كمال، الطبعة الأولى، الكويت، وزارة الإعلام (مركز رعاية الفنون الشعبية)، 1398هـ/1978م (أربعة مجلدات).