د.عبد العزيز الصقعبي
أنا معجب بمقالاته التي يكتبها، منذ أن بدأت أتصفح الجرائد والمجلات، كنت أشاهد صورته تعلو مقاله الأسبوعي، يكتب بإخلاص، ويناقش قضايا مختلفة، تدور أغلبها حول الشأن العام، كنت أحلم أن أكون كاتباً مثله، أكتب مقالاً وتوضع صورتي أعلاه، ويعرفني الناس، يقرأون ما أكتب، ويصل صوتي لكل مكان، بالذات المسؤولين وأصحاب القرار.
أنا أكبر وهو لايزال يكتب، لم يتغير ولم تتغير كتاباته ولا صورته، كأن الزمن توقف عند لقطة مصور، أو أنني الوحيد الذي أكبر وأتغير وكل من حولي باق كما هو، بالذات ذلك الكاتب، وبالطبع هنالك أناس آخرين كذلك، مثل صاحب مكتب العقار الذي يجلس خلف مكتبه عصر كل يوم.. أراه يومياً من خلال الواجهة الزجاجية لمكتبه وأنا ذاهب لبيتي.. لم يتغير منذ أن كنت صغيراً.. حتى حين عدت مكملًا دراستي الجامعية ومستعداً
للانتقال إلى مدينة أخرى كان لا يزال يجلس خلف مكتبه ذو الواجهة الزجاجية، ذات يوم توقعت أنها صورة، ولكن بعد أن اقتربت كثيرًا تأكدت أنه صاحب مكتب العقار لا يزال حي يرزق، خفت أنه بلا قدمين حيث إنني لم أره مطلقاً واقفاً أو خارج مكتبه، ولكن خاب توقعي عندما دخلت مكتبه لأسأله عن بيت للإيجار لأحد الأصدقاء، فوجئت أنه هب واقفاً مرحباً بي ومغادراً مكتبه ليقدم لي فنجان قهوة، ربما كان يراقبني وأنا أمر من أمام مكتبه منذ أن كنت صغيراً، وربما كان يتمنى لو تحدث معي.
لحسن الحظ صورة ذلك الكاتب في الجريدة لا تراقبني مطلقاً، ولكن ما يدعوني أستغرب أنه لا يفضّل أبدًا أن يغير صورته التي ربما التقطت له قبل ثلاثين سنة أو أكثر، كنت أتحدث عن ذلك مع أحد الأصدقاء ممن يعمل في بلاط الصحافة، وبالطبع كلمة بلاط توحي بالفخامة، وهذا بكل تأكيد كان سابقا، الآن لنقل بقايا الصحافة، أعود لحديثي مع صديقي الصحفي الذي حل مشكلة الصورة قائلاً.. «إن لدى الإخراج أو لنطلق عليه القسم الفني أرشيف للصور بالطبع هذا الأرشيف في جميع الصحف والمجلات، ومن ضمن الأرشيف صور معتمدة للمسؤولين والكتاب، لذا فكثير من الكتاب يفضلون صورًا معينة وإن كانت
لا تمثل الواقع، بل مرحلة الشباب وألا ليت الشباب يعود يوما..، الأمر لا يتوقف عند الصورة، بل المقال، حيث يرى صديقي إن التحدي لأي كاتب هو التجاوز والاختلاف، بمعنى أن هنالك كتاب مقالهم الذي ينشر اليوم لا يختلف مطلقاً عن المقال المنشور قبل سنة وربما بعد سنة، ويقول صاحبي الذي كانت له تجربة صحفية ثرية أن المحك هو تفاعل القارئ، وقبل ذلك متابعة المسؤولين عن التحرير بالصحيفة. ربما كانت الكتابة في الصحف سابقاً مصدر أكل عيش ولكن في الزمن الحالي أصبحت الكتابة مجاناً لعدد كبير من الكتاب، ربما أغلبهم بحثًا عن موقع أو تفريغ شحنات لطرح رأي تجاه أمر ما، بعد ذلك الحوار قررت أن آخذ مقالات عشوائية لذلك الكاتب الذي كنت أتابعه، وأحدد رأيي فعلاً فيه، لحسن الحظ، لم يخذلني مطلقاً، مقالاته مختلفة وتناقش واقعاً فعلياً، ولغته متجدده وسلسة، ومثله قلة، لذا حاصرني سؤال لماذا لم يرغب تغيير صورته، ليجيبني أحد
الأصدقاء هل شاهدت صورة جديدة للكاتبة الكبيرة والمتميزة غادة السمان، أو هل شاهدت صورة جديدة لصاحبة الصوت الجميل نجاة الصغيرة، الكلام الذي يسمع أو يقرأ هو الصورة الجميلة للمبدع، متى كان هذا الكلام رائعاً، أعطى فكرة جميلة عن المبدع، ثم ألم تمر عليك مقولة (تسمع بالمعيدين خير من أن تراه)، قلت الأمر يختلف هنا، قد يتوقف على سلوك الشخص وليس على الشكل والصورة، ليسألني قائلاً: ألا تعجبك كتاباته؟، قلت بلى، قال: أجل يكفي ذلك، وأمر السلوك والصورة لا يهم.