فيصل خالد الخديدي
الكتابة مَلكة وفن لايجيده إلا من كان على قدر كبير من المعرفة والثقافة ولديه موهبة وقدرة عالية في التعامل مع الحرف وتطويع الكلمة وصياغة الجمل وإيجاد الفكرة واقتراح الحلول المناسبة للقضايا التي يتطرق لها في مواضيع كتابته، والكتابة المتخصصة تكون أكثر دقة وصعوبة من غيرها ويلزمها الكثير من المتابعة والاطلاع على كل ماهو جديد وتقديم كل ماهو مفيد دون تكرار ممل أو مبالغة وتضخيم،والاستمرار في الكتابة بشكل دائم ومواعيد محدد أمر بالغ الصعوبة فهو لا يخضع لمزاجية الكاتب ولا وجود الأحداث أو عدمها وإنما يتطلب الالتزام والحضور والتنوع وابتكار موضوعات ومتابعة قضايا الساحة المراد الكتابة عنها كل ذلك وأكثر يقع على عاتق من يتصدر لكتابة موضوع أو عمود فما بالك من يشرف على صفحة تخصصية أسبوعية وعلى مدار أعوام !! ... إنه أمر بالغ الصعوبة والفدائية حيث يهب الكاتب المتخصص وقته وجهده وموهبته وعلاقاته وينحت جزءًا من حياته من أجل أن يصنع حضوراً لمجاله الذي أحب ويخدم من هم معه في نفس الهم.. هذا ما فعله وأكثر الكاتب والفنان محمد المنيف على مدار أكثر من أربعين عاماً من الكتابة في الهم التشكيلي والركض في مضماره مشرفاً على الصفحة التشكيلية بصحيفة الجزيرة يكتب بين أعمدة وزوايا الصفحة ينثر من خلالها ألوان الجمال والإبداع، ومن الحقيبة التشكيلية يثري الساحة بكل جديد ومفيد ويقرأ منجزات التشكيليين ويحلل أعمالهم ومعارضهم، يقترح مشاريع فنية ويطالب بآمال وطموح التشكيلين، تشارك الكتابة معه في الصفحة عدد من الكتاب رفاق القلم والهم التشكيلي على فترات متقطعة.
أما محمد المنيف الذي عرفته منذ أكثر من ثلاثين عاماً من خلال متابعتي الشخصية لما يكتب من مقالات ما زلت أحتفظ بالعديد من قصاصاتها، لم ألتقيه سابقاً إلا ببعض المعارض قبل انتخابات الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) والتي كان نائباً لرئيس الجمعية ثم رئيساً للجمعية اتفقنا واختلفنا كثيراً حولها ولكن ظل صاحب القلب الكبير والتعامل الراقي حتى في الاختلاف، وقبل ستة أعوام تقريباً وبعد أن تقدمت الدكتورة مها السنان بالاعتذار عن مواصلة الكتابة في الصفحة التشكيلية التي يشرف عليها بصحيفة الجزيرة، تلقيت منه اتصال يعرض علي الكتابة في زاوية أسبوعية عن الفنون التشكيلية وافقته دون تردد واتفقنا على أن زاويتي تحت مسئوليتي بالكامل دون تدخل أي شخص فيما أكتب لا توجيهاً ولا تعديلاً ولا منعاً، وهو ما حدث على مدار الستة أعوام التي كتبت فيها معه بالصفحة حتى آخر عدد صدر من الصفحة بل أن تجاوبه كبير مع ما اقترحه عليه في مسار الصفحة بكاملها.
محمد المنيف الكاتب والمشرف على الصفحة التشكيلية بعد أربعين عاماً من الإبداع في مضماره ترجل كفارس نبيل ليواصل الركض في مضمار آخر بين إبداعه الشخصي ومشاريعه الكتابية القادمة ومتحفه المنتظر في مدينته حوطة سدير. كل ذلك ننتظره من المبدع محمد المنيف الذي كان نبض الفنانين وصوتهم المسموع وكانت صفحاته تزخر بمختلف ألوان الطيف في أوقات كانت تعاني كثيراً من الصفحات من أحادية ألوانها وتوجهاتها ومحاربتها للفن ولكل ماهو جميل وظل صامداً شامخاً بفن حتى عبر بصوت الفنون التشكيلية بر الأمان ليصل به لزمن لا صوت يعلو على صوت الجمال والفن، شكراً محمد المنيف المبدع والكاتب والمتألق وحق لنا عليك أن توثق مسيرتك مع الفن والصفحة التشكيلية في إصدار أو أكثر وثيقة تاريخية شاهدة على مسيرة الفنون التشكيلية بالسعودية، وحق لك التكريم الذي يليق بك وبما قدمت.