د. محمد عبدالله الخازم
من ضمن الأسئلة الكبرى التي تطرح في المجال المهني والإداري بناء الخبرة وتطوير أداء الشخص القيادي، حيث البحث دائم عن تأهيل قيادات ذات خبرات متميزة تسمح لأصحابها بالتحول من مجرد ممارسين لمهنتهم إلى خبراء وقادة. عدد سنوات العمل يمثل الخبرة كناحية إجرائية تستخدمه إدارات الموارد البشرية لكنها ليست الحكم في جعل الشخص خبيرًا وقائدًا، فقد تكون تلك السنوات مجرد سنة أولى مكررة. البعض، وهذا أصبح سوقًا رائجًا، يحصل على الدورات العديدة في القيادة وقد يكون حاصلاً على شهادات عليا وعلى الرغم من ذلك يبقى طبعهم وسلوكياتهم القيادية لا ترتقي إلى المأمول. الشهادة تساعد للوصول إلى منصب متقدم وقد تطور وسائل (النذالة) دون أن تلغيها لمن لا تتوافر لديه جذور الحكمة والحق والعدل والإنصاف. إذًا، ما المدخلات الأولية للحصول على الخبراء - القادة؟
تطور الحس القيادي له مدخلات رئيسة بعضها اجتماعي ويتعلق بالبيئة وبعضها مكتسب فردي يمكن تعلمه. المدخلات الاجتماعية تبدأ بالأسرة فنوعية الأسرة وظروفها المحيطة بنشأة الشخص لها علاقة بشخصيته المستقبلية، فمن يعش في كنف أب دكتاتور ومتسلط سينشأ في الأغلب إما ضعيف الإرادة والشخصية أو دكتاتورا آخر مشابهًا لوالده. من يعش في بيئة حكمتها «خلك ذيب» و»أدعس» على الآخرين لتنجح لا تتوقع منه إدارك أن القمة تتسع للجميع. وارث الغيرة سيغار ويحارب الناجح من فريقه. التنشئة والسمات الجينية هي ما يجعل البعض يرى بأن القائد يولد قياديًا منذ الصغر أو يتعلم القيادة منذ الصغر، لأن دور الأسرة أو جيناتها يبرز أثره من الصغر في شخصية الإِنسان. طبعًا مع ملاحظة أن ليس كل إنسان يشبه أسرته، بل إن هناك أناسًا يستطيعون الانعتاق من النمطية الأسرية التي تميز أسرهم لتكون لهم صفاتهم الخاصة بهم، فتجد أسرة عرفت بالبخل يبرز منه كريم وأخرى اتسم أفرادها بالجبن يبرز منها شجاع، وهكذا.
العامل الثاني لتطور الخبرة القيادية هو المكتسب في المراحل التأسيسية، عبر التعليم الأساسي أو المتخصص أو الممارسة الأولية أو التدريب الأولي، إلخ. هذه العوامل يقع تأسيسها، أولاً، على عاتق الجهات التربوية والتعليمية، فعندما يكون التعليم متواضعًا ببلدٍ فإن المتوقع هو تواضع القيادات المتخصصة بذلك البلد. الشهادات العليا أو التدريب المتأخر يصقل الموهبة ولا يوجدها، يطور الفهم - لمن لديه استعداد- ولا يستحدث القيم ما لم تكن بذرتها موجودة. من يعيش في مدرسته سلوك (الدرباوي) والمتنمر والعنصري، أو من تمارس عليه تلك السلوكيات، قد نراها ضمن سلوكياته القيادية.
العامل الثالث يكمن في التوازن النفسي والمعنوي والثقافي للإِنسان، وقدرته على استيعاب واستدراك الخبرات والمعلومات والمعارف ذات العلاقة بقراره بشكل أوتوماتيكي وحيوي وإيجابي. الأهم من المعرفه هو القيم الثقافية التي يتحلى بها الإِنسان، فالقائد الذي لا يحمل قيمة الاحترام للآخرين سنجده يميز موظفًا عن الآخر والإداري الذي لا يحمل قيمة الصدق سنجده يزيف المعلومات لتسلق الهرم الإداري والمدرس الذي لا يحمل قيمة الصبر سنجده يضيق ذرعًا بطلابه فلا يعلمهم برفق ولين، وهكذا. التعليم والمعرفة مهمان، لكن للبيئة والتنشئة والقيم دور أهم في تشكيل شخصية القيادي.