محمد آل الشيخ
السعوديون الذين يسافرون خلسة وتحت جنح الظلام إلى إيران عن طريق دول أخرى، لا يختم الإيرانيون جوازاتهم بختم دخول إيران، وإنما على ورقة خارج الجواز، الآن اتضح أن جميع السعوديين الذين أصيبوا بفيروس كورونا كانوا قد أتوا به من إيران؛ أي أنهم ساهموا مساهمة محورية في إيصال هذا الوباء إلينا، وانتهكوا بذلك الأمن الوطني والصحي للبلاد على الرغم من انهم كسعوديين ممنوعيين من السفر إلى تلك الدولة، لكن عناية الله جل شأنه أبت إلا أن تفضحهم، وتعري (تمردهم) على قوانين وأنظمة بلادهم.
وأنا منذ أن كتبت في الصحافة اعتبر أن (الطائفية) لا يُمكن أن تتواءم مع الوطنية، فلا بد أن تُفجر إحداهما الأخرى في نهاية المطاف. ويتملكنى يقين لا يخالجه شك أن إخواننا السعوديين الشيعة يختلفون فيما بينهم من حيث الالتزم بقوانين الدولة، ومن يمارسون مثل هذا التمرد فئة أتمنى أن تكون قليلة، إلا أن المشكلة أننا -وبصراحة- لا نستطيع أن نُميز من هو الصالح ومن هو الطالح، ومن هو الملتزم بقوانين الدولة ومن هم أولئك الذين ينتهكونها. ومن الظلم كل الظلم أن نعامل الجميع على أنهم منشقين على الأنظمة، أو نعاملهم جميعاً على أنهم متقيدين بالأنظمة. فليس أمامنا إلا حسن الظن، لكن يجب أن لا يدفعنا حسن الظن إلى التفريط بأمننا الوطني، وعلى رأس هذا الأمن أمننا الصحي.
وكنت قبل هذه الجائحة، واكتشاف هؤلاء المتمردين، أنزع دائمًا بلساني وقلمي إلى الدفاع عن مكونات الوطن العقدية ومنهم الشيعة، انطلاقاً من التسامح ومقولة: (الدين لله والوطن للجميع)، غير أنني الآن أقف أمام قناعتي تلك موقف الحائر، الذي تتجاذبه التساؤلات يمنة ويسرة، فحرية الدين هنا ليست كما كانت (حرية شخصية) لا علاقة للآخر المختلف بها، وإنما أصبحت في هذه الحالة سيفاً يهدد وجود المواطنين كافة بما فيهم الشيعة أنفسهم، وهنا يثور السؤال: إذا كانت حرية الفرد في اعتناق المذهب الذي يريد مكفولة حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فماذا إذا كانت هذه الحرية قد تسعى بالآخر المخالف إلى الموت، كما هي الممارسات التي اقترفها هؤلاء المتمردون على أنظمة البلاد؟
الآن حكومة المملكة أعطت لكل من قام بانتهاك الأنظمة، وشدّ رحاله إلى إيران، فرصة أخيرة للإفصاح عن نفسه، والتقدم إلى السلطات دونما مساءلة، أما إذا أمعن في التخفي ولم يتجاوب مع هذه الفرصة فسوف يعرض نفسه للمسؤولية والعقاب مستقبلاً، ومثل هذا الإفصاح سيفيدهم ويفيد أهلهم وذويهم قبل الآخرين، فإذا كانوا سالمين من العدوى فسوف يطمئنون صحياً، وإذا كانوا مصابين -لا سمح الله- فستتولى الدولة العلاج، وسيلقون عناية طبية خاصة، وحسب ما تقوله الأرقام فالأمل بالشفاء للمصابين أعلى وبكثير من الذين يصيبهم الفيروس ويبقون دون عناية طبية متخصصة.
وفي النهاية أود أن أشير إلى أن تجربة كورونا أوقعت إخواننا الشيعة، حتى أولئك الذين لم يسافروا لإيران، في محل الحرج شعبياً، وأضرت بهم في مجتمعنا الذي هو في النهاية بلدهم، والعاقل من تعلم من تجاربه ووسَّع مداركه.
إلى اللقاء