هيفاء صفوق
لن أتحدث عن التنمر المعروف والذي أسهبنا جميعاً في توضيح أسبابه وعلاجه لكني سأبحر في المعنى العميق للتنمر.
ألم نلاحظ كيف نتحدث نحن الكبار مع بعضنا سواء في بيوتنا أو علاقاتنا الاجتماعية كالأصدقاء أو زملائنا في العمل، سنلاحظ كيف هي مفرداتنا القاسية أو اللامبالية أو التي تعاني من قلة الاحترام، سنجد كأنها شيء أصبح عادياً ومعروفاً بيننا يمارسه الجميع.
مثل هذه الألفاظ «أنت ما تفهم!، ليه أنت غبي؟، خلك ذيب؟» سنجد الكبار أنفسهم قد سيطرت على مفرداتهم عبارات غير لائقة وغير جيدة، تميل إلى تقليل من الطرف الآخر، وكأنه شيء عادي ويعتبر من المسلمات بين الأفراد في المجتمع.
هذه إحدى العلامات التي توضح مدى نظرتنا نحن لأنفسنا، سنجد في الداخل عدم احترام لذواتنا أو العكس، تضخيم الأنا فينا، وكلاهما يجعل الكثير من الأفراد يتحدث ويتعامل بنفس أسلوب التنمر والتجريح لأن خلف هذا التنمر أو سوء الأدب مع الآخر لخبطة في مفهوم الاحترام وتقدير الآخر.
مما يجعلنا نسأل سؤالاً.. ما الذي جعل الغالبية تمارس تلك السطوة اللفظية في الأسرة وبين الأصدقاء وأيضاً مواقع السوشال ميديا التي تعج بتلك المفردات القاسية أو غير المحترمة وجميعنا ندرك ذلك، والغريب أنها أحياناً لا تصدر فقط من أفراد عاديين، بل يفاجئ بعضنا أنها ربما تصدر من دكاترة وأكاديميين ومثقفين، وهنا أحد المؤشرات غير المطمئنة لمكانة الإنسان في داخلنا.
يوضح ذلك مدى عمق الوعي الموجود بين الأفراد للأسف ليحتل مكانة من منا صوته أعلى؟ من منا مفرداته أقسى؟ وكأن المفاهيم تغيرت وتحولت وتبدلت من حال كان للإنسان له قيمة حتى لو كان يمتهن المهن المتواضعة أو كان فقيراً نجد تمتعهم بالاحترام والتقدير لبعضهم موجود.
لذا لا نعتب على أبنائنا اليوم وهم يشاهدون نماذج أمامهم في الحياة وحتى في القنوات الفضائية جميعها لا تحترم عقلية وفكر الإنسان، فكيف لنا أن نطالب بعدم التنمر إن كان الابن يشاهد والده وهو يجرح ويتلفظ على والدته أو يتلفظ على سائقة، أو يشاهد والدته لا تحترم الخادمة أو طريقة كلامها وأسلوبها معه بعدم الاحترام، هذه نماذج أمامهم سيأخذونها كقوالب سهلة وسريعة لتنفيذ، أو العكس هناك أبناء مفرطون في الدلال لدرجة عدم احترامهم حتى لوالديهم وهذا جهل في عملية التربية، فلا يصح التنمر على الأبناء ولا يصح التدليل المفرط أيضاً.
إذاً هي أزمة تحديد الهوية في مفهوم قيمة الإنسان، إن رغبنا فعلاً في بناء مجتمع واعد ومجتمع واعٍ علينا أن ندرك ما هو قيمة الإنسان وعقله وفكره ونعيد تشكيل هذه المفاهيم من الاحترام والتقدير في أنفسنا نحن لكي نكون نماذج حقيقية، ومن هنا يتعلم أبناؤنا من الفعل والأفعال التي تكون أمامهم، فنحن ندرك حقيقة أن الأبناء لا يتعلمون فقط بالنصح والإرشاد في مفهومة التقليدي هو سيمارس السلوك والتصرف الذي يشاهده أمامه.
ربما هي دعوة لإعادة النظر لطريقة تفكيرنا في تعاملنا مع بعضنا باحترام حتى المزح لا يجعل منا نهين كرامة الإنسان، ونتأمل أنفسنا كيف نتعامل مع أسرنا ومع زوجاتنا وأزواجنا، وكيف نتعامل مع العمالة التي من حولنا؟ وكيف نتعامل مع المختلف عنا في الفكر وطريقة حياته، الأبناء يشاهدون كل ذلك بصمت منذ الطفولة فتكون البرمجة قوية جداً، لذا هم لا يشعرون بتأنيب الضمير أنهم أخطوا على أحد لأن هذا ما اعتاد عليه منذ الصغر.
كما أن التنمر عند الأبناء له عوامل أخرى أيضاً، خاصة من تعرض لاضطهاد من والديه وقسوة مفرطة تكون لديهم مشاعر غضب عالية يقومون بإسقاطها على الآخرين، أحياناً يكون التنمر على زملائهم في المدرسة أو أقربائهم في العائلة، وأحياناً حتى تنمرهم يكون على مدرسيهم، نعم بعض الأبناء يكون لديه غضب تجاه والده فيسقط هذا الغضب على أي صاحب سلطة يشبهه بوالده كالمدرس أو المدير أو أي أحد يحاول أن يوجهه ويأمره، فإنه يحاول أن يتنمر عليه بالقول أو الفعل، وهذا عندما ترجع إلى تاريخ تربيته وطفولته ستجد عنده أباً قاسياً أو أماً لم تحرم طفولته.
إذاً التنمر ليس وليد الصدفة واللحظة، هو تراكمية نفسية مخزنة في داخل أبنائنا نتيجة نموذج سيئ أمامهم، أو نتيجة سوء وتوجيه في تربيتهم، أو عدم احترام طفولتهم، أو التدليل غير المسؤول في تشكيل هويتهم، جميعها عوامل ساعدت في تكبير هذا الظاهرة، وللأسف أنا لا أتحدث فقط على أبنائنا بل على أنفسنا وطريقة تعاملنا مع بعض، لذا الحل دائماً في الجذور تصحيح المفاهيم تجاه طريقة نظرتنا لبعض وتجاه نظرتنا لقيمة الإنسان.