د.فوزية أبو خالد
(1)
في تناول الموضوع لا بد أولاً من التنويه بالجهد الاستباقي الجاد المبذول في وطننا الغالي تشريعياً وتنفيذياً وطبياً لمواجهة أي احتمال لا سمح الله بتوسع مد مرض كورونا الوبائي ولمحاصرة هذا الاحتمال في أضيق الحدود الممكنة. ولابد ثانياً من التثنية على تلك التغريدة الوطنية التي كتبت القطيف على كامل خريطة المملكة العربية السعودية لتقول كلنا القطيف ومع القطيف في مواجهة (كورونا) هذه البقعة الخصيبة العزيزة من تراب أرضنا في مقاومتها الطبية والاجتماعية على مستوى رسمي وأهلي لحالات هذا الوباء. ولابد ثالثاً من القول إننا على مستوى أهلي نحتاج أن نكون في قلب تلك المواجهة بتعزيز سلوك حضاري ومسؤولية وطنية في القول والعمل تجاه هذه الأزمة ببعدها الداخلي والعالمي، من الحضور على منصات التواصل الاجتماعي بالكلمة الإيجابية والمعلومة الدقيقة إلى الانخراط في العمل الوقائي التطوعي بشروطه الصحية والامتناع عن التجمعات (لأسباب صحية). هذا دون أن أنسى الوقوف وقفة إكبار وإجلال لكل الجنود المعلومين والمجهولين من أطباء وطواقم طبية ومن كوادر عاملة في عدد من المجالات ذات التماس المباشر مع محاربة الاحتمالات المروعة لتفشي هذا الوباء من عمال النظافة والساسة والكُتاب والمعلمين والمروريين وسواهم وأخص بالذكر العاكفين في المختبرات في البحث المتفاني عن حل جذري لهذا الرعب العابر للقارات.
(2)
بغض النظر عن موقف اليمين أو اليسار السياسي دولياً في محاولة اعتبار هذا الوباء مجالاً لتبادل الاتهامات ولشيطنة الآخر وتصفية حسابات التنافس على مزيد من حيازات الهيمنة والسيطرة كالموقف الأمريكي من الصين ومواقف تعزيز إغلاق الحدود في وجه الهجرة مثل ملامات ايطاليا في مواجهتها الواسعة مع الوباء على سياسة استقبال المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط مع أن أي منها ليس معلناً كبؤر وبائية خطيرة، فإن الوضع يشكل خطورة دولية بقدر ما يشكل أزمة وطنية لكل دولة ولكل مجتمع على وجه الأرض اليوم. فليس منا بمنأى عن مسؤولية العمل المحلي والعمل التعاوني الدولي على جبهة مشتركة في المواجهة.
وبناء على ذلك فالحل العملي غير السهل خصوصاً في المواقع المتساهلة أصلاً في صحة مواطنيها، هو تقوية جهاز العمل الصحي من ناحية وتقوية الوعي الصحي من ناحية أخرى فهما جناحا الإنقاذ سواء في الوقاية الاستباقية أو في الرعاية المطلوبة للحالات. وفي هذا أتفق مع الصحفي الأمريكي فريد زكريا بأنه يصعب في هذا العصر العولمي أن تكون هناك حلول انعزالية أو استفرادية بما يفترض أن يخفف الاحتقانات المعهودة في العلاقات الدولية أمام شرط التعاون لمواجهة «عالمياً» هذه الكارثة الوبائية العالمية.
تبقى ملاحظة غير هامشية على الإطلاق وهي أن هذه المواجهة داخلياً وخارجياً ليست مواجهة على الجبهة الصحية وحدها وإن كانت هي الجبهة الطليعية ولكنها في نفس الوقت مواجهة اقتصادية وسياسية وعلمية وتعليمية بل وثقافية جذرية.. فلا شك أن تلك المجالات مجالات جبهوية من حيث تأثرها المباشر وتأثيرها بتقدم أو تراجع هذا الوباء. فالاقتصاد من التبادل التجاري والاستثمارات العالمية إلى السياحة ودورة الاستهلاك المعيشي اليومي للضروريات ونوع الغذاء والدواء ودورة الحركة الجوية والأرضية كلها عرضة اليوم لجزر نرجو الله يطول مداه. كما أن ثقافة الشدة غير معتاد ثقافة الرخاء وثقافة مقاومة الخوف من الآخر في لحظات منشود الحذر غير ثقافة الاسترخاء. حمى الله الأوطان والمجتمعات والأفراد بإذن الله.
(3)
ولعلها، مع الخجل من ألمنا البشري العام في هذا الوقت، فرصة الأدباء والعلماء لعزلة منتجة كما حدث لنيوتن في مواجهة وباء الطاعون عندما أنتج في عزلته الصحية الجبرية قانون التفاضل والتكامل في الرياضيات ونظريته في البصريات. وكذلك فإن وباء الطاعون ساق جائزة نوبل في الأدب للبير كامي بعدها بما يقارب مئة عام عن روايته التي تحمل نفس الاسم. والكوليرا ساهمت مع شعر التفعيلة في تعزيز حضور نازك الملائكة من مصر إلى ما وراء العراق، كما فعلت الحروب الأهلية الصغيرة فعلها في محطة «الحب في زمن الكوليرا» عبر مسيرة جابريل مركيز. فهي العبقرية العلمية والأدبية إذن التي تقف على شكل علامة استفهام أمام ذلك المعلم الجبار الذي اسمه الألم الشخصي والعام وتبدأ في المقاومة بطرح السؤال تلو السؤال عن مسؤولية المصير الإنساني بهشاشته وجبروته أمام فيروس وبائي صغير أو شرارة حرب.