د. زايد الحارثي
متابعة لما سبق، فإني أقدم هذا الجزء الثاني والأخير من رؤيتي ومقترحاتي لما يجب أن يتم في جامعاتنا لمواجهة التحديات في ظل تنفيذ نظام الجامعات الجديد وما تضمنه من استقلالية للجامعات، وفي ظل المتغيرات العالمية التنافسية للاستثمار في التعليم والاستثمار في الإنسان بالدرجة الأولى، والرؤية التي أقترحها وألخصها بما يلي:-
على الجامعات دور رئيس بأن تشكل فرقا ولجانا لوضع خطط مشتركة ومستقلة حسب كل جامعة التحديات أعلاه ببناء مقاييس ومحكمات علمية لتقييم الواقع الممارس في كل مجال من المجالات أعلاه ووضع الخطط اللازمة لمواجهة كل تحد لتحقيق الأهداف المرجوة التي أرى أنها يجب تتركز على الآتي:
أولاً: إن توقف الجامعات المبالغة في الجهود على ما يسمى بالاعتماد والالتفات إلى الجودة الحقيقية في تقديم البرامج والتخصصات التي تلبي حاجات الخريج نفسه ومجتمعه وأنا هنا أرى أن مثل البرامج والتخصصات التي تحتاج إليها بشكل أولوية مثل: الهندسة، الحاسب الآلي وأمن المعلومات، التمريض، الصيدلة، الإدارة والمصارف المالية والمحاسبة، الأخلاق والتربية الذاتية والوطنية، التربية البدنية، الأمن السبراني، الزراعة، اللغات والترجمة، وغيرها مما يحتاج إليه المجتمع في نهضته وتقدمه. إن مثل تلك البرامج والتخصصات هي ما يحتاج إليه الخريج وما يحتاج إليه سوق العمل. ويجب إقرار الحقيقة الناصعة والمتفائلة وهي أن خريج الطب والهندسة والحاسب وغيرها من بعض التخصصات في جامعاتنا مؤهلون وأثبتوا نجاحهم وجدارتهم لأنفسهم وإبداعاتهم. وذلك في سوق العمل ولكن هذا لا يكفي، لأن التحدي لا يزال قائماً وبخاصة أن المستشفيات والعيادات الحكومية والخاصة وغيرها من التخصصات لا تزال تعج بغير السعوديين في المجالات المطلوبة.
ثانياً: أرى أن صورة الأستاذ الجامعي وهو من يقود العملية التعليمية والبحثية في الجامعة وهو القدوة في ذلك، وعليه فيجب أن يحظى بأولوية قصوى في عمليات الاختيار والتقويم معايير التمكن اللغوي، أي إجادة لغة أخرى عالمية غير اللغة الأم وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، وكذلك التمكن في التقنية والتعامل معها، وقبل ذلك السمات الشخصية والأخلاقية المناسبة.
ثالثاً: لا بد أن تبدأ الجامعات في إصلاحات أساسية تتواكب مع طموحات أولياء الأمور وسعيهم نحو إنتاجية حقيقية من كوادر وشباب مؤهل ينهض بواجباته ومسؤولياته في البناء والاستثمار في النهضة المتسارعة في المملكة. وقد أصبح من متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية التي تواجه الجامعات في موضوع القبول وسياساته وهو أمر مرتبط بمنظومة التطوير والإصلاح في البرامج والتخصصات داخل الجامعات بما يتوافق مع التحديات الحالية والمستقبلية وفقاً. لرؤية 2030.
رابعاً: يجب أن يكون من بين أهداف الجامعات الرئيسية الإسهام في التصدي للفكر الضال والمتطرف والمساهمة في بناء وإعداد الشباب الوسط المعتدل ذو الفكر الابتكاري المحب لوطنه، وأن تساهم فعلاً في دعم وتنمية الهوية الوطنية. هذا سؤال يندرج ضمن منظومة التقويم لواقع الجامعات الحالي والمستقبلي؟
خامساً: لقد أصبح إعادة وإصلاح البرامج والأنشطة الممارسة القائمة بحاجة عاجلة وماسة إلى إعادة نظر لكي يتم تعديلها أو تطويرها أو إلغاؤها وفقاً للحاجات الحقيقية في القطاع الحكومي والخاص، لأن ذلك من شأنه أن يحقق أحد طموحات الرؤية وأهدافها في سد الفراغ الميداني في القطاعات كافة بالشباب المؤهل من خريجي الجامعات، من جهة أخرى يحقق طموحات الشباب في الحصول على الأعمال والوظائف التي يستحقونها. ويحضرني هنا أمثلة من بعض الجامعات في كثير من الدول ومنها ماليزيا بحكم عملي سابقاً هناك كيف أن بعض الجامعات الخاصة التي تؤسس وتبني برامجها باستقراء حاجة الشركات والمصانع والقطاعات المختلفة من المؤهلات والمهارات اللازمة ثم نجد أن 90 % تقريباً من خريجي مثل هذه الجامعات يستقطبون للعمل حتى في أحيان كثيرة قبل التخرج.
سادساً: إنه في ظل نظام الجامعات الجديد واستقلالية الجامعات أصبح من الضرورات الملحة والتحديات القائمة أن تضع الجامعات خططاً تنفيذية للاستثمار في العقول والطاقات الكامنة المؤهلة في الجامعات وكذلك الأوقاف التي يجب أن تستثمرها كما فعلت جامعة الملك سعود فهذا مجال استثماري خصب وكنوز لم تستثمر بعد وهناك بعض الجامعات لديها إمكانات استثمارية في الأوقات تستطيع أن تغطي ميزانيتها وميزانية بعض الجامعات الأخرى كاملة.
سابعاً: في ضوء التغير التنموي السريع الذي تشهده المملكة في السنوات الأخيرة وفي ضوء الرؤية الحالية والمستقبلية للمملكة (2030) أصبح من الضروري للجامعات السعودية (وقد اكتملت البنى التحتية لها) أن تساهم بفعالية في تحقيق الرؤية وتنسجم مع النظام الجامعي الجديد باعتبارها أحد معاقل التنوير وصناعة قادة المستقبل. إن الاستغلال والاستثمار للطاقات في الجامعات وخارجها هي أهم المشاريع الاستثمارية ضمن رؤية الاستثمار في الإنسان والتعليم الجامعي على وجه الخصوص هو من أهم مقومات وعناصر القوة في الاستثمار الحقيقي لأن اقتصاد المعرفة ينبع في كثير من محتواه من رحم الجامعات. وأن الجامعات بما لديها من مقومات علمية ومادية وخبرات وإبداعات لديها الإمكانيات لمعرفة الطاقات المختلفة سواء داخل أو خارج الجامعة وبخاصة في الشباب والمساهمة في استثمارها معرفياً وصناعياً فهم ثروة وطاقة حقيقية ويتم ذلك بالمشاركة مع المؤسسات والشركات والمصانع الريادية التي تتبنى مثل هذه الطاقات وحتى داخل الجامعات نفسها فأين مساهمات جامعتنا في هذا المجال.
وأخيراً فإن النجاح في مواجهة التحديات العشرة التي أوردتها في الورقة وإعداد قادة المستقبل ومواجهة الثورة الصناعية المتسارعة لا بد لها من توافر ثلاثة مرتكزات مهمة يجب الحرص عليها وجعلها أولوية في الجامعات وهي:
1) القيادة (Leadership) في الجامعات من رأس الهرم إلى رؤساء الأقسام واجتيازاتهم يجب أن تكون معيارية ومثالية بقدر الإمكان.
2) المحاسبة (Accountably) في الجامعات يجب أن تكون شفافة في كل مساراتها ونشاطاتها مالية أو معنوية سواء أمام مجلس الأمناء أو أي جهة رقابية أخرى.
3) التقويم والمراجعة (Evaluation) يجب أن يتم هذا الإجراء سواء كان ذلك من مجلس الجامعات أو أي جهة مستقلة، وأن يكون التقويم والمراجعة الدورية أساساً لدعم وتحفيز الجامعات من عدمه.