د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
أول من خطّأ استعمال (مُسْوَدَّة) مصطفى علي، قال: «قل: هذه مُسَوَّدة الكتاب لا مُبَيَّضَتُه.
ولا تقل: هذه مُسْوَدَّةُ الكتاب لا مُبْيَضَّتُه.
وذلك لأن المسودّة اسم مفعول من سوَّد فلان الكتاب أي كتبه، والكتابة تسمى أيضًا تسويدًا، قال أبو العباس المبرد في كتابه الكامل: (وفي شعر حميد بن ثور هذا ما هو أحكم مما ذكرنا وأوعظ وأحرى أن يتمثَّل به الأشرف وتُسَوَّدُ به الصحف)(1)»(2). ونقل ثلاثة نصوص للنديم وأبي حيان التوحيدي وللتميمي المراكشي، ورد فيها الفعل يسوّد ومصدره التسويد، ويريد بذلك أنهم لم يستعملوا الفعل يسوَدُّ أو مصدره اسودادًا، وختم بقوله «فقل: هذه مسودَّة [هكذا وهو خطأ طباعي صوابه: مسوَّدة] الكتاب لا محرَّرَتُه ولا مبيَّيضتُه ولا تقل هذه مسْوَدَّة الكتاب لا مبيضته»(3).
وتابعه محمد العدناني فذكر أنهم «يقولون: أَضاعَ فلان مُسْوَدَّةَ كِتابِهِ، والصَّوابُ: مُسوَّد› كِتابِهِ» مبينًا أن الـمُسَوَّدَةَ الصحيفة أو الصحائف تكتب أو كتابة ثم تنقح وتحرر وتبيض(4).
وجاء في ساقتهما جودة مبروك محمد، فذكر أن»المـُسْودّة مؤنث مُسْوَدّ»(5)؛ وكأن هذا علة لردها.
وجزم الزعبلاوي بخطأ (المـُسْوَدَّة)، قال «وهو خطأ، ولا وجه لقولهم هذا؛ ذلك أن الوصف من (سوَّدَ الشيءَ) بتشديد الواو -إذا جعله أسْوَدَ- يكون على صيغة اسم المفعول منه»، وبعد شرح طويل يقول «لذا قل: (مُسَوَّدَة المقال) بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو المفتوحة»(6).
وما ذهب إليه اللغويون الأفاضل مُتوقف فيه، إذ الصحيفة يمكن وصفها بأنها مُسْوَدَّة أو بأنها مُسَوَّدة، قال الجوهري «والسَوادُ: لون. وقد اسْوَدَّ الشيء اسْوِدادًا»(7)، فكذلك نقول اسْوَدَّت الصحيفةُ فهي مُسْوَدَّة، اسم فاعل من الفعل (اسْوَدَّ) الذي هو مطاوع للفعل سَوَّدَ، تقول: سَوَّدتُ الصحيفةَ فاسودّت فهي مُسْوَدَّة.
وقال ابن سيده «يُقَال من لَفْظَة سُدْت سَاد يسود فِي معنى اسوَدَّ يسْوَدُّ، فَإِذا أردْت المتعدِّي جَازَ أَن تَقول سُدْته وسَوَّدْته، فَأَما سُدْته فَجعلت فِيهِ سوادًا وَأما سَوَّدْته فَجَعَلته أسودَ»(8).
فابن سيده يجمع لنا الفعلين اللازم (اسودّ) والمتعدي (سوّد)، ومن المتعدي يشتق اسم المفعول: سَوَّدتُ الصحيفة فهي (مُسَوَّدة).
وأنت بعدُ مخير بين أن تعبر باسم الفاعل أو باسم المفعول، فإن أردت أن تبين وصف الورقة بأنها صارت سوداء بفعل مسوِّدها قلت إنها (مُسْوَدَّة)، وإن أردت أنها جُعلت سوداءَ بفعل مسوِّدها قلت إنها (مُسَوَّدة)، ولذا نقول إن الصحيفة مُسْوَدَّة مُسَوَّدةٌ. فقل هذه مُسْودَّة الصحيفة أو مُسَوَّدُتُها.
... ... ...
(1) المبرد، الكامل، 3: 95.
(2) مصطفى جواد، قل ولا تقل، 2: 42.
(3) مصطفى جواد، قل ولا تقل، 2: 43.
(4) العدناني، معجم الأخطاء الشائعة، ص123.
(5) جودة مبروك محمد، معجم الأخطاء الشائعة والإجازات اللغوية، ص 58.
(6) صلاح الدين الزعبلاوي، معجم أخطاء الكتاب ص290
(7) الجوهري، الصحاح، 2: 491.
(8) ابن سيده، المخصص، 4: 304.