عطية محمد عطية عقيلان
عندما تدخل عالم تويتر تستفيد كثيرا من سرعة وصول المعلومة وتوفرها والاطلاع على كل جديد في أي مكان بالعالم ولكنك عندما تبدأ متابعة مختلف المشاهير من ممثلين وإعلاميين ورياضيين أو مفكريين ترى حالة من التناقض بوضوح بين الأقوال وردات الفعل، وكأن من يغرد شخص مثالي ومن يرد على تغريدات الآخرين شخص ثاني ولا تربطه أي علاقة فكرية أو أخلاقية، نقرأ في تغريداته التنظير بالتسامح وإحسان الظن وتعدد الآراء والأفكار وتقبل الآخرين والنقاش بحضارية وسعة الصدر وأغلبهم يركز بعدم الانتقائية في تقييم الآخرين، ولكنهم في ردودهم على الآخرين يمارسون أقصى درجات التنمر والانتقائية فيمن يختلف معه أو يعارضه أو يرد على تغريداته. فنحن أمام وسيلة إعلانية ينطبق عليها كثيرا «رد ثم فكر» دون حساب للعواقب القانونية أو معايير أخلاقية أو اعتبار لمكانة الشخص وأحيانا مئات الكتب التي ألفها أو البرامج التي شارك فيها والتي يؤمن فيها بتطور الفكر وتقبل الآخر والنقاش بعقلانية وهدوء، ولكنهم يصدمونك بتلونهم وتغيير مواقفهم وآرائهم بين ليلة وضحاها، وخير مثال على ذلك مايعرف «بالبلوك» في تويتر في دلالة واضحة على عدم تقبل آراء أو ردود لا تناسبنا علماً أن التعليق والدخول في ردود ليس ملزما وبمجرد عدم ردك هي رسالة أبلغ على عدم موافقتك بدل من التنمر بالرد القاسي أو الحجب. وأجمل مافي تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي أنها تظهر حقيقة الأشخاص وفكرهم وآرائهم بصورة جلية في كثير من الأحيان وكأنها تذكرني عند دخولها «بالمضاربات بين الطلاب في الطلعة» ولكن بصورة سريعة وفورية وقد تكون نهاية الخلاف بين الطلاب وتعود العلاقة طبيعية، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تشهد مضاربات طويلة لأن «بعد الطلعة» مفتوحة 24 ساعة وليس هناك من يحاول يفك هذا الخلاف ويسعى بالصلح بينهم، بل نرى داعمين ومصفقين لكل طرف ويستمتعون ويغذون ذلك بعبارات التحفيز «اجلد ولا فوض فوك وادعس ...».
هذا التناقض قد يكون مقبولاً «إلى حد ما» في السلوك الفردي وفي العلاقات الشخصية لأن النفس البشرية هذا سلوك صعب السيطرة عليه، لكنه في الوسائل العامة ومن المفكرين والإعلاميين والدعاة يجب أن يسيطر عليه وأن يسبق تفكيرهم ردة فعلهم ماداموا ارتضوا أن يكونوا من المميزين في مجتمعاتهم، وانتقل التناقض إلى مجالات علمية وظواهر طبيعية وحالات مرضية مع ملاحظة أن منهم من يبحث عن الشهرة من خلال «الشعبوية» والتغريد بمعلومات أو فيديوهات تلامس حاجة شريحة كبيرة من الناس مثل مرضى السكري والسرطان مع وصفات وعلاجات طبيعية وكأنك أمام عطار يريد أن يبيع بضاعته بإضافة عبارات عاطفية وتلبي رغبة زبائنه، مع مبالغة وتضخيم لفوائد بعض المنتجات الطبيعية وكأنها علاج سحري، مع توصيف للمتحدث بأنه رئيس المركز الفلاني أو الخبير في الجامعات الغربية وعددها من الألقاب التي توحي بمكانة الشخص العلمية للوثوق بنصائحه، طبعاً هناك من أهل الاختصاص والضمير يردون عليه ولكن المغرد قد مرر رسائله لمئات الألوف من المتابعين لأنه استخدم «الشعبوية» في طرحه وإعطاء معلومات مضللة وعلاجات لم يثبت فعاليتها أو السماح بها أنما هي قيد الدراسة وتحتاج مزيداً من البحث خاصة من يغردون باكتشافات للقضاء على مرض السرطان أو الأمراض المزمنة ببيع الوهم واستغلال لبحثهم عن أي أمل ولو كان واهما. وغدى تويتر وكأنك ترى غبار العراك بين الأطراف لتتذكر قصة الكناس الذي يحاول أن يغبر على الطحان ودون جدوى لأنهم جميعاً في بيئة مغبرة ولا يحاولون تنقية فكرهم وطرحهم وأجوائهم والاستمتاع بالسلام في الحياة والاستفادة من وسائل التواصل بشكل إيجابي واستغلالها لتقديم مايفيد ويعود عليك بالنفع بدل المناكفة والتغبير على الآخرين.