د. حامد بن مالح الشمري
لا شك أن المنزل هو المحطة الأولى التي تصادف الإنسان منذ ولادته، فيتربى وينشأ على أكناف والديه أو أحدهما حتى يصلب عوده ويقوى، وخلال مراحل نموه يترسخ في شخصيته ما يدور أمامه في الأسرة من أحداث وأنماط وسلوكيات تربوية، وينطبع في شخصيته الكثير من الأمور الإيجابية والسلبية. وما أود التطرق إليه بشكل مختصر في هذا المقال، هو التأثير الكبير لثقافة الزوجين على حماية الأسرة وبنائها بشكل سليم.. هذه الثقافة الزوجية التي تمنح مساحة كافية للزوجين للتحاور والنقاش والتشاور في كل ما يخص شؤون الأسرة، إضافة إلى قدرتهما على استشعار ما يدور في المجتمع من أمور وقضايا اجتماعية، وتربوية، وأخلاقية، وخدماتية، وغير ذلك.. هذه الثقافة المتكافئة بين الزوجين التي يسودها التقدير والتفاهم يتم استثمارها في معالجة الكثير من الأمور في أوقات فراغهما أو أثناء عطلة نهاية الأسبوع أو أثناء الإجازة الرسمية.. المهم أن يتولد لدى كل منهما القدرة والاستعداد على استشعار حجم المسؤولية، خصوصاً أننا نعيش في عصر تتسارع فيه الكثير من المتغيرات والتطورات التكنولوجية والمعلوماتية والاتصالية والمجتمعية، والتي تؤثر وبشكل مباشر على نمط الأسرة في بلادنا، وتقاليدها وثقافتها وقيمها، وتمتزج مع الثقافة التي تصدرها المجتمعات الأخرى عبر وسائل الاتصال السريع، مما أوجد نوعاً من حالة عدم التوازن والتشويش.. كل هذا يتطلب أن يكون هناك توافق بين الزوجين في المستوى الثقافي والتعليمي والاهتمام المشترك حتى يعيش الزوجان في بيئة محفزة تساعدهما على قيادة السفينة إلى شاطئ الأمان. إلا أن هذا لا يمنع من وجود لغة وحوار مشترك بين الزوجين حتى وإن كان ينقص أحدهما المستوى التعليمي أو الثقافي المطلوب، بشرط توافر الرغبة والحماس والاستعداد والاهتمام بأمور الأسرة.
إنَّ الزوجين تقع عليهما مسؤولية تهيئة الظروف الملائمة للبناء الأسري السليم من خلال الاهتمام بتأصيل مبدأ الحوار والتسامح، والمناقشة الجادة في كل ما يخدم أفراد الأسرة واهتماماتها، وتوفير وقت كافٍ للاجتماع بأفراد الأسرة والاستماع لهم، والعمل على إشباع ميولهم ورغباتهم، بما يتفق مع التربية الأسرية الصحيحة، ويحقق التوازن المطلوب تربوياً وعاطفياً ونفسياً وترفيهياً واجتماعياً.. وهذا يتطلب جهود الزوجين القائمة على المعرفة والمحبة والتفاهم والتعاون والرغبة المشتركة من أجل بناء أسرة سعيدة متماسكة، وكذا الرغبة في المساهمة الإيجابية لكل ما يخدم صلاح وسلامة المجتمع.
والتربية الأسرية من طرف واحد تكتنفها الكثير من المصاعب، وربما يحصل ما لا تحمد عقباه عندما يتخلى الزوج أو الزوجة أو كلاهما عن الدور المطلوب منهما ويتجهان إلى إشباع اهتماماتهما الشخصية، وربما أنهما لا يلتقيان إلا عند إحدى وجبات الأكل أو النوم، وحتى عند وجودهما بين أفراد الأسرة لا قيمة تربوية لهما، سوى الصراخ والكلام في غير المفيد، وتبادل الاتهامات وغير ذلك من الفوضى الأسرية والتنصل الكامل عن مسؤوليات الأسرة. إنَّ واجب الزوجين تأصيل مبدأ التحاور والمتابعة والتقييم الهادئ القائم على التفاهم المشترك واحترام الرأي الآخر، هذا التنوع في الطرح والثقافة يدل على مستوى النضج والوعي العقلي والثقافي بين الزوجين وأنهما أهل للمسؤولية. ومن المهم جداً أن يدرك الزوجان حجم المسؤوليات الملقاة على أحدهما خارج المنزل، كأن يكون الزوج كثير المشاغل والأعمال، وبالتالي الزوجة تدرك ذلك وتنظم وقتها ووقت أفراد أسرتها واحتياجاتها وفقاً لظروف الزوج، وتحرص على اختيار الوقت الملائم لمناقشة ذلك مع الزوج، بما يحقق المعادلة المتوازنة بين متطلبات العمل والمنزل والأسرة. وهذه الثقافة المتوازنة بين الزوجين تسهم بشكل مباشر في وجود الاستقرار العائلي وتكوين شخصية الأبناء، وتؤثر في توجيه سلوكهم واتجاهاتهم المستقبلية.
أما عندما يعيش الطفل وسط ظروف تربوية وثقافية ونفسية غير متزنة، فإنه سوف يتأثر من ذلك ويجعله كثير الارتباك والحيرة، وفقدان الثقة في نفسه. نريد أن نعوِّد الأبناء على مهارات الحوار والمناقشة والتعبير عن الذات وتقبل آراء الطرف الآخر في حدود المساحة التربوية السليمة التي أمرنا بها ديننا الإسلامي الحنيف، لما لذلك من فوائد كثيرة على مسيرة الأبناء في حياتهم المستقبلية، وتعويدهم على تقبل الحوار والمناقشة مع الآخرين، بما لا يتنافى مع آداب الحوار وتعاليم التربية الإسلامية الصحيحة.