لا شكّ في أنّ رواية «أوراق المورينغا» هي أوّل رواية عربيّة اجتماعيّة تُصوّر حياة المغتربين في ولاية (كيرلا) في الهند، من الخليج العربي بوجهٍ عام، والمملكة العربية السعودية بوجهٍ خاص، وما فيها من الأحلامِ، والآمالِ، والآلام، والمعاناة الّتي تُصيب حياة المغتربين، والتّبادل الثقافي الواسع بينَ البلدين.
حقًّا، إنّ الكاتبَ المبدع محمد المستنير يرسمُ ثقافةَ (كيرلا) وأسلوبَ الحياةِ فيها، بكلِّ معنى الكلمة. الرّوايةُ على لسانِ بطلها (روشان) الّذي يعيشُ مع عائلة تُعبّرُ عن معنى التّسامح. هو من أب مُسلم وأم مسيحيّة. تصفُ الرّوايةُ الحياةَ في (كيرلا) الجذّابة وما فيها من مجتمعٍ متسامحٍ مع أطياف المجتمع الأخرى دون أيّ تفرقة. بطل الرّواية (روشان) رجلٌ ذكيٌّ يعيشُ حياةً قاسيةً تُجبره على ترك مقعدهِ الدّراسي لعوائق ماديّة. كان حريصًا على الذّهاب إلى الخليج العربيّ من أجل لقمة العيش لأسرته المتواضعة؛ وبذلك نُقلت أحداث الرّواية إلى الرّياضِ -عاصمة المملكة العربيّة السّعوديّة.
من إبداع الكاتب اختياره اسم الشّجرة المنتشرة في أرجاء (كيرلا) وهي «شجرة المورينغا». تُفيدُ أوراقها صحّة العينِ، وهي لذيذةُ الطّعم في المطبخِ الهندي.
ذكر الكاتبُ قصّةً أسطوريّةً هندوسيّةً عن تاريخ ولاية (كيرلا)، فقد أتى (باراسوراما) الّذي رَمى بفأسه إلى المياهِ فتحوّلت إلى يابسة؛ لتصبح فيما بعد ولاية (كيرلا). لم ينسَ الأديبُ أن يذكرَ القيمَ الأخلاقيّةَ الّتي يجبُ أن يتحلّى بها البشر، وأهمّها الأمانة، كما قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» الّتي عرضها في قولِ أمّ روشان المسيحيّة: «الإهانة حين تخون الأمانة».
تميّزت شخصيّة إبراهيم في القصّةِ بأخلاقهِ الجيّدة، شاهدنا في رسالة إبراهيم الّتي أرسلها إلى (روشان) في المملكة العربيّة السّعوديّة: «لا تكن قاسيًا فتخسرِ الجميعَ، ولا تثقْ بكلِّ الأشخاصِ الّذينَ يبتسمونَ لك فتقع في شرور أعمالهم، ولا تكن ليّنًا فيعصرك كبرياء الآخرين».
تُعرفُ قيمة الحريّة عند فقدانها، وهذا ما تعرضهُ الرّواية في السّجن. يعتمدُ الهنودُ -وبخاصّة أهالي (كيرلا)- على الخليج العربي لكسب الرّزق لجعل ولايتنا في عيشٍ رغيدٍ وسعيدٍ، وقد صوّرها الكاتبُ على لسانِ البطل: «فلا مصدر رزق لوالدي وعائلتي سوى ما أستلمه من عامر لأرسله إليهم». فأجابَ العمّ الصّالح: «الله كريم والرّزق بيده».
الحنينُ إلى الوطنِ شيءٌ فطريٌّ وطبيعيٌّ في أفئدة البشرِ. يشعرُ به الإنسان حينما يُغادر وطنه الحبيب. نجدُ هنا حالة عودة المغتربين بعدما يقضونَ سنواتٍ عديدةً في مشقّة الغربة؛ ما أحدث في نفسهم شوقًا ورغبةً فيما لا تُعبّر عنه بالكلماتِ والعباراتِ: «كم هو جميلٌ أن يعودَ الشّخصُ إلى موطنهِ بعد سنين الغربة وظلمة أشهرها وأيامها».
من القضايا الأُخرى الّتي تناقشُها الرّواية هو الحزن والكآبة عند فراق الوالدين والأحبّة وهموم الغربة. يصفُ الكاتبُ في مقدّمة الرّواية وصفًا فريدًا لوداع البطل والديه وزوجته وبيته الحبيب بكلّ دقّةٍ، حتّى التّفاصيل اليسيرة.
يسافر بنا الرّوائي «محمد مستنير» عبر الأحداث المتشعّبة إلى نهايةٍ صادمةٍ غير معهودة وذلك بموت الوالد الّذي أدّى إلى اختلاط الحابل بالنّابل. يسألُ البطلُ نفسه: «هل أنا سعودي أم هندي»؟ بعد السّرّ الدّفين الّذي اكتشفه ألا وهو أصله العربي. إشارةً إلى حقبة تاريخيّة لزواج العرب من منطقة (مليبار) خاصة من مدينة (كاليكوت) حيث لا يزال يعيش هناك مَن أُصولهُ عربيّة.
تميّزت لغة السّرد باليُسرِ والسّلاسة الّتي تبهج الخاطر، وتشرح الصّدر. لم يجعلِ الأسلوب القارئ يشعر بملل أو سأم وهذه موهبة ومهارة لا يتقنها إلّا شخص فائق الذّكاء، وواسع الخيال.
** **
ناصر ك - باحث هندي في قسم اللغة العربية - جامعة كالكوت أحد سكان كيرلا التي جرت أحداث الرواية فيها