الكتابة دون أن يكون لها مدخل يوجه رؤيتها، ومنهاج علمي تسير عليه أفكارها، ونظرية معرفية أو أنموذج -على الأقل- تستند إليه منطلقاتها، وإلا فإنها معان ملقاة على قارعة الطريق كما وصفها الجاحظ!.. الأمر الذي يلفت النظر فيما تتوارده المؤلفات والمقالات ومنصات التواصل المجتمعي من اتخاذ «الحتميات» قاعدة صلبة وسريعة للحكم على مشاهد الثقافة وظواهرها، دون وعي بالثقافة وطبيعة نموها، أمام معادلة «تكنوثقافية»، أطلق شراراتها الأولى مارشال مكلوهان قبل أربعة عقود في نظريته التي تقوم على رؤية أن الوسيلة هي الرسالة، ما أسس لتغير مراكز مكونات الاتصال، وبالتالي المنظومة الإعلامية في البيئة الاتصالية الجديدة، ومن ثم كائنات الرقمنة الإنسانية، واللسانيات الحاسوبية، وصولا إلى الذكاء الاصطناعي بمكوناته وكائناته الثقافية.
ومع أن تفسير الحتمية التكنولوجية يؤكد على أن التقنية أصبحت امتداداً لحواس الإنسان، فبالضرورة أيضاً لثقافته، ومنتجاتها المادي وغير المادي، في تداخل شبكي ضمن مكونات المحتوى الرقمي، إلا أن النظريات التي سبقت نظرية الحتمية التكنولوجية، أو ظهرت بعدها، ظلت تعيد معادلة الحتمية إلى ميادين المسح الجماهيري، ومختبرات النظرية، واستقراء النماذج الاتصالية، ومن ثم اختبارها عبر مستويين: أفقي، ورأسي، في مقابل الاستخدام، والوظيفة.
إذن: هل يمكن أن نسلم بحتمية دون اعتبارها النهاية؟! ودون ربطها بالحقيقية؟! وما المطلق وما النسبي فيها أمام ديناميكية «المابعديات» التي نقلتنا إلى مرحلة ترقب لمرحلة ما وراء الاتصال وما بعد ما بعدياته؟!.
* متى ما أعلينا من شأن حتميات أحاديث المجالس.. سنظل نجيب أكثر مما نسأل!.
** **
- محمد المرزوقي