يستطيع الإنسان البقاء تحت الماء دون تنفس دقيقة واحدة وهذا مثبت علمياً، ولكن هناك من منحه الله قدرات خاصة يستطيع أكثر من ذلك، بحد لا يتجاوز في الغالب ربع ساعة، ولكن ما رأيكم لو أخبرتكم أنكم تستطيعون العيش تحت الماء لعدة أيام؟.. نعم لعدة أيام دون أن يكون لديكم قدرات مختلفة عن الشخص العادي، سأحدثكم كيف يتم ذلك، ولكن قبلها سأحدثكم عن كيفية حصولي على هذه المعلومة، حيث قرأت للروائي الأمريكي الشهير دان براون رواية الرمز المفقود، وهي بالطبع لا تختلف كثيراً عن رواياته الرائعة؛ وخصوصاً روايته الأشهر شيفرة دافنشي، ومن قرأها يدرك كمية المعلومات والأسرار والفن الطاغي في ثنايا سطور هذا الرجل، بشكل يجعلنا نفكر كثيراً في مصير رواياتنا العربية التي تدور في فلك اجتماعي مكرور إلا القليل منها.
المهم ذكر براون في روايته أن بطله البروفيسور روبرت لانغدون (وهو شخصية خيالية ظهر في رواية شيفرة دافينشي وملائكة وشياطين وفيلم شيفرة دافينشي وفيلم ملائكة وشياطين وفي رواية الرمز المفقود). وهو عالم رموز و بروفيسور في جامعة هارفرد.. حيث تم وضعه في تابوت مغلق وفتح عليه الماء حتى أغرقه تماماً، ولأن روايات براون قائمة على الحقائق العلمية التي تزين الخيال العلمي فقد فسر كيف ظهر البطل من جديد بعدما تيقنا أنه مات ورحل في الوقت الذي يجب أن لا يرحل فيه وفق سياق الخط الدرامي للرواية، وكانت المفاجأة العلمية هي أن التابوت كان مغموراً بمادة (البروفوروكربون) وهي مادة شبيه بالماء، ويمكن التنفس من خلالها، وقد تطرق إليها بالتفصيل الأستاذ خلدون عزام ببحث باللغة الإنجليزية (استعنت به لمعرفة تفاصيل هذه المادة التي تجاهلها الشيخ google عند البحث باللغة العربية).
(البروفوروكربون) ببساطة سائل يمكن التنفس فيه، وبالطبع تم عرضه في أفلام هوليوود التي أطلقت الشرارة الأولى لفكرة هذا السائل، ثم استخدمت وكالة ناسا هذه التقنية بعد تحويلها إلى حقيقة لا مراء فيها، وعملت على تطويرها، لدعم مشروعات الفضاء والمشروعات العسكرية، وقد اكتشفت الوكالة أن مادة البروفوروكربون المحتوية على الأكسوجين يمنح الغطاسين القدرة على الغوص في أعماق الماء دون المعاناة من مشاكل الغوص التقليدية.. كما إن الطيارين المزودين بجهاز تنفس سائل يمكنهم تحمل قوة الطرد المركزية أكثر بكثير من المعتاد. أما مستقبل هذه التقنية فهي غمر رواد الفضاء في هذا السائل وإدخالهم في حالة سبات من أجل مساعدتهم على تحمل السفر الطويل عبر الفضاء.
وفيما يتعلق بأحواض التجريد الحسي أو أحواض التأمل (والتي ذكرها الروائي الأمريكي دان براون في روايته الكنز المفقود)، فلها استخدامات أخرى غريبة حيث يعيش المتطوع في حالة تأمل بدماغ هادئ عبر إبعاد وتنحية جميع المعلومات والمؤثرات الحسية.. من النور والصوت والروائح واللمس والجاذبية في تجربة مشابه لتجربة الجنين في الرحم.
وقد استخدمت أيضاً كطريقة تعذيب في سجون وكالة المخابرات المركزية (CIA) والتي تفنن عادة في أساليب تعذيب ضحاياها، حيث يغمر المستجوب بالسائل بطريقة تشبه الغرق، وعندما يدخل السائل في رئتيه، يصاب بغيبوبة نتيجة الصدمة ويظن أنه مات، ويتم تكرار هذه العملية حتى يفقد المستجوب إحساسه بالمكان والزمان ويبوح بما عنده تماماً كالمنوم مغناطيسياً.
لقد تطور العلم كثيراً، وتطور فن الرواية أيضاً، وأصبحت الروايات العالمية مصدراً غزيراً للمتعة والفن والعلم والفائدة، وعلى الجانب الآخر تلوح في الأفق فكرة رائعة نزار قباني (إني أتنفس تحت الماء)، والتي تغنى بها المطرب الشهير عبدالحليم حافظ، فهل كان نزار -رحمه الله- سابق لعصره حينما تطرق لهذه الفكرة، أم أن الأمر لا يعدو كونه خيالاً أدبياً نلحظه كثيراً في الفن العربي، عموماً والروايات الأدبية على وجه التحديد بدرجة تجعلنا نزهد في قراءتها لخواء أكثرها وسطحيته مقارنة بالنتاج العالمي؟!.
** **
- منيف الضوّي
Mk4004@hotmail.com