كانت هناك أمور مغلقة ليست قابلة للتدويل أو المناقشة كسياقة المرأة للسيارة أو المهرجانات والحفلات الغنائية التي تحضرها النساء أو السينما أو تنظيم المسابقات العالمية والتي يتطلب فيها حضور نسائي، والأطباق الفضائية المسمّاة بالدش، وقد ذكرتُ كبيراً، فهناك أقل خطورة من هذه وكانت ممنوعة كالتصفيق مثلاً في الاحتفالات كما أسلفت، إذاً هل أيقظت الصحوة ما كانت البساطة والعفوية آنذاك مسيطرة على الوضع الاجتماعي؟! وهل كان بعضها يحتمل العفوية والبساطة؟ أم هو اختلاق ليبرالي لشيطنة المجتمع على الصحوة؟! لا شك أن المجتمع متدين بطبعه فالمسألة لا يجوز التفريط فيها ليس من رجل الدين الصغير فحسب، بل حتى الرجل الذي ليس له حظ كبير في الدين سوى شيء يسير يتكئ عليه في حياته اليومية، ومع ذلك عندما كنّا صغاراً أتذكر حفلات الزواج قبل الصحوة يؤتى بالفرقة الموسيقية عصراً وأحياناً بعد العشاء فتعزف أمام الملأ حين يفرش السجاد لها داخل البيوت المفتوحة أو في السكك ويبتهج الجميع تحت أنغام الفرقة الموسيقية العشوائية طبعاً وهي تشدو بالأغنيات المعروفة والشعبية دون تحرج من أحد أو دون أن يوقفها رجل دين أو حتى يُعاب على أصحاب العرس فعلهم ذلك! بينما السينما كنّا نشاهد أفلامها في أرامكو تعرض دون أن يعترض أحد على ذلك بالقول أو الفعل ولكن مع اشتداد الصحوة اختفى كل ذلك وأصبحت تلك الفرق الموسيقية العشوائية في حفلات الزواج تختبئ في ظلمات الاستراحات ودون علم حتى لا يُقبض على أصحابها بذلك الجرم الكبير المشهود، على أن كل ذلك ليس فيه اختلاط، حتى غدا الأمر سرقة يحاول الكثير أن يغتنمها ولو كلفته الكثير من المصاعب، وما كنًّا نسمع بمصطلح الحداثة والحداثيين وإنما كان معارض الصحوة ينعتهم بالمتفرنج أو المستغرب أو الفاسق بعد تحليل المحتوى العقلي والفكري وهذا أقرب ولم يتم تداول مصطلح الحداثة إلا في أواخر التسعينيات الميلادية أو منتصفها تقريباً، ويعد مصطلح الليبرالي والعلماني الأكثر حضوراً في المشهد الثقافي الديني وبالذات العلماني والذي اختلط مفهومه بالليبرالي من حيث هما صنوان وسواء كان أياً منهما فهو خارج عن إجماع الأمة في إظهار الفساد وهذه ربما كانت إحدى زلات الصحوة بأن استغلها الحداثيون والليبراليون في تحوير كثير من الخلافات الصحوية لما فيها من التشدد والتعنت من باب قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح إلى مسألة التكفير وخلطهامفهوم الذنب والمعصية عند معارضي الصحوة حتى شاع مصطلح التكفيريين وربما تساهل في ذلك بعض رجال الدين الذين ليس لهم حظ في التعليم الديني المتقدّم وإنما هو تشدد أيديولوجي طارئ على الحالة الاجتماعية السعودية، وبعيد عن الحركات الدينية وصراعاتها التي كانت موجودة آنذاك كالإخوان والسرورية والسلفية والحداثيين وغيرهم والتي لن أتطرق لذلك ولكن تبرز تساؤلات: هل الصحوة تستحق كل هذا الهجوم؟ وهل هي السبب في التشدد والتطرف وهل كانت سبب التأخر الحضاري كما ينعتها البعض بذلك الذي شهده المجتمع مؤخراً؟ وهل هو فعلاً تأخر حضاري؟! وهل الخطاب الديني آنذاك وجه آخر للصحوة أم أن الصحوة كانت تتبناه لتسبغ على نفسها صدارة المشهد الديني؟ أو أن المسألة تخرصات يدعيها الليبراليون والعلمانيون فأرادوا أن يغتنموا رياحهم حين هبوبها!
** **
- أحمد بن حمد السبيت