سهام القحطاني
«كوني فخورة بأنك امرأة».
تأسيس مصادر القيمة هي صناعة إنسانية بمعنى أنها لا تمثل منظومة مسلّمات في ذاتها ولا توثق في ضوئها –على الافتراض-جذور اليقين وشرائعه.
لأن ما يٌخضع للتزمين والتداول والتغير لا يمكن أن يصبح مصدر قيمة، وبالتالي لا يمكن الوثوق به كمعيار للتصنيف والأهمية؛ لأن الاستدامة بالثبات شرط قائم بالحتمية للقياس، كما أن انتفاء استدامة الثبات مرهون بحصول التغيير والتحول، ويرفع عنه صفة القياس وضوابط آليته.
لكن المقتضيات المتحكمة في تشكيل العلاقات الإنسانية سواء في نشأتها أو تراكمها لاتهتم بضوابط النشأة العقلانية للقيمة بما يكفل تمام الاستحقاقات وعدالتها.
فعلام تقاس القيمة وتقديراتها؟ كل علاقة لها تفاصيلها فيما يتعلق بمسطرة مقايسس القيمة، والاختلاف بين مسطرة قياس كل علاقة تختلف في التفاصيل والرمزيات التابعة لها أو المتأثرة بالخلفيات الداعمة لظلها الأيديولوجي، لكن تظل الغاية أحادية الاعتقاد في النهاية حتى لو بدت في ظاهرها تصنيف موضوعي للفعل وحاصله ومستوى إنجازه.
والبدء أولا بتوصيف النوع الذي يبنى عليه أصل القيمة وتمثيلات تقديراتها.
خلق الله المرأة والرجل في هيئتين مختلفتين ورغم أن «اختلاف الهيئة» هو مصدر «تميز» يتوافق مع الطبيعة الوظيفية لكليهما وتشكيل منظومة تكاملية لتحقيق عمارة الأرض، إلا أن ذلك «التميز» تحول إلى «مصدر تمييز» أضر المرأة وجعلها بالنسبة إلى الرجل درجة ثانية من القيمة؛ إذا ربط اختلاف الهيئة «بالقدرة والقوة» وهو ارتباط غير صحيح، وكان له الأثر في نشوء الفحولة الموازية – رغبة المرأة في التحول إلى رجل صوري- لإبطال المفهوم المغلوط الذي حاصر طبيعة المرأة.
فالقوة لا ترتبط بطبيعة الهيئة بل بالتأهيل والتدريب، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالقدرة فهي حاصل العلم والثقافة ولا شأن لها بطبيعة الهيئة.
وبذلك أصبحت «القوة والقدرة» متلازمة رجولية ومقابلها «الضعف والعجز» متلازمة نسائية، وتلك المتلازمة بُنيت في إطارها ومفهومها على البعد المادي الذي استتبعه التكامل العقلي باعتبار الاقتضاء، وهو ما شكّل المعادلة التي صاغت الثنائية المتشابكة بين المرأة والرجل التي تزعم أن الرجل أفضل من المرأة بسبب طبيعة هيئته التي منحته القوة العضلية والعقلية والقدرة والاستطاعة، والكفاية والكفاءة بأي عمل، وهي معادلة أصبحت مع تعاقب الحقب التاريخية «حقيقة بوضع الواقع وتكرار تداوله»، كما أسهمت في دفع المرأة إلى ابتكار حيلة الفحولة الموازية-لتحرير ذاتها من ممثلات الأنوثة لتتساوى مع الرجل وتحظى بما يحظى به من استحقاقات مفتوحة ومجانية-.
فالحرية من حق الرجل وكذلك الحب والعمل وحتى الإباحية، وهي استحقاقات خاصة بالرجل وبالمجان دون عقوبات أو أوزار، وفي المقابل فتلك الأمور محرمة على المرأة، والتحريم قائم على حكم «الصنف» لا الأثر لعموم السلوك الذي يتساوى فيه الرجل والمرأة.
إذن أصبح الرجل هو الرمزية للكمال والقوة والقدرة وهذه الرمزية التي آمنت بها المرأة أكثر من الرجل ذاته هي التي دفعتها إلى «خلق فحولة موازية» تحت عنوان النسوية وما تبعها من مرفقات أدبية وفكرية؛ لمحاكاة الفحولة الرجولية والتشبه بها شكلا ومضمونا؛ لتمثيل فحولة موازية تمنحها استحقاقات أصل الفحولة.
فاختلطت ملامح النساء بالرجال وارتكبت النساء ما يرتكبه الرجال من آثام واقتحمت الأعمال التي كانت مقصورة على الرجال، لكن ظلت عقيدة التمييز قائمة حتى في أرقى المجتمعات التي كفلت النسوية ودعمت تشريعات المساواة بين الرجل والمرأة فكرا وقانونا؛ لأنها عقيدة متوارثة وليست ظاهرة فكرية.
فاختل ميزان القيمة ومكاييل التقديرات وضاعت الأسرة وفسد الجيل وفقدت المرأة أصالة هويتها.
إن المرأة لم تكن أبدا عارا ولا مصدر نقص، والرجل لم يكن أبدا قديسا ولا مصدر كمال؛ إن الله خلقنا بقيمة متساوية -امرأة ورجل- وتقديرات متعادلة وطاقات متكاملة، والاعتقاد بغير ذلك لا يٌغير أصل الحقيقة.