د. صالح بن محمد اليحيى
في خضم أحداث تاريخية لاهثة؛ ربما لم يشهد عالمنا المعاصر مثيلاتها من عقود. بل قرون. تبدو الصورة قاتمة إلى حدٍ بعيد، حتى أن دولة بحجم ألمانيا صرحت بأن ما تواجهه الآن هو أكبر خطر يتهددها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام (1945م).
لكن في وسط تلك العتمة الضبابية يدرك آخرون أن ذلك الذي تمر به البشرية الآن، ونعني به انتشار جائحة فيروس (كوفيد 19) المعروف بمسمى (كورونا المستجد)؛ ما هو إلا درس جديد يضاف إلى تلك الدروس التي أفادت منها البشرية في مسار رحلة تطورها عبر سني الزمان، فكما صرحت منظمة الصحة العالمية (WHO) أن ما حدث أثبت خللاً واضحًا في منظومة الصحة العالمية؛ فإن كثيرًا من القطاعات الأخرى يبدو أنها قد بدأت منذ الآن في استيعاب ذلك الدرس الجديد.
فإذا كانت (الحاجة أم الاختراع) فقد أجبر الفيروس المستجد أغلبية بني البشر على اختلاف ألوانهم ومشاربهم عبر وجه البسيطة على إعادة التفكير في مسار حياتنا اليومية من العمل والمدرسة والترفيه وغيرها، في استجابة سريعة لحظر السفر وإغلاق الكثير من مقار العمل والأسواق والمدارس والجامعات؛ وتوصيات بمنع التجمع في مجموعات كبيرة والحفاظ على الابتعاد عن أقراننا من البشر الآخرين للحد من انتشار الفيروس، فكان البديل الذي لم يبدو أنه لم يكن جاهزًا بالصورة المأمولة باللجوء إلى الأدوات والوسائل الرقمية للحفاظ على استمرارية الجزء الأهم من مظاهر حياتنا الطبيعية في عديد من القطاعات والكثير من المجالات؛ فكان لزامًا على الجميع تحويل أماكن عملنا وتسوقنا وتعلمنا رقميًا لتكون قادرة على استيعاب حاجاتنا بفعالية ويسر، حيث ستكون تلك الشركات وهذه المؤسسات التي كانت قادرة إلى حد ما على استخدام وتوظيف وسائل التقنية الرقمية بصورة جيدة لمواصلة العمل مطالبة قبل غيرها بإعادة التفكير والإمعان في ضرورة مراجعة نموذج أعمالها للمستقبل من حيث شمول التحول الرقمي سريع التتبع كي تسبق في ذلك مثيلاتها ومنافسيها.
ومع دخول قطاع التعليم جبرًا في إطار ذلك التنافس على استخدام وسائل التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد وهو الأمر الذي يهم كل بيت وكل أسرة في كافة أنحاء المعمورة؛ نجحت العديد من المؤسسات والهيئات التعليمية في سرعة التواصل ما بين أساتذتها وطلابها لاستكمال دراساتهم في أتون تلك الحرب المستعرة على هذا الفيروس الغامض، بينما ثبت للبيان أن الكثير منها لم يكن على قدر المسؤولية في ذلك وبخاصة في عالمنا العربي، ليضع ذلك كله المستقبل القريب أمام تحدٍ هو أهل له بأن يصبح التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد ركيزة أساسية في عملية التعليم والتعلم، بعد أن كان يمثل ما يمكننا أن نطلق عليه نوعًا من أنواع «الواجهة التقنية» في ظل عالم أقرت فيه تلك الظروف الاستثنائية حقيقة أن أية بقعة فيه مهما بلغت من الرقي والتقدم ليست في معزل عن خطر ما، وهو ما يمكن أن يكون موضوعًا لحديث قادم إن شاء الله.
ومن حسن الطالع أن المملكة العربية السعودية وفي إطار رؤيتها المستقبلية الثاقبة؛ وفي ظل قيادة رشيدة تسعى إلى دفع المجتمع قدمًا إلى الأخذ بكل سبل الرقي والتقدم؛ كانت على مستوى الحدث في كافة المجالات وبخاصة في مجال التعليم والتعلم، ففي صبيحة يوم التعليق الاحترازي للدراسة تحولت كافة بيوتات المملكة بلا استثناء إلى قاعات دراسية افتراضية لملايين من الطلاب والطالبات من خلال التواصل مع أساتذتهم ومعلميهم عبر مختلف الوسائل التقنية التي وفرتها الدولة ومؤسساتها في كافة مراحل التعليم، لتضعنا تلك الأزمة أمام تجربة واقعية عملية تضافرت فيها العديد من الجهود لمختلف القطاعات لتكون تلك مجرد بداية في عملية تحول رقمي هائل قد تكون هي الأساس في اعتماد ذلك النوع من التعليم والعلم في العملية التعليمية بالمملكة بعد انتهاء الأزمة وزوال الغمة إن شاء الله، كما تكون سببًا في تحول أبنائنا وبناتنا من مستهلكين للتقنية الحديثة دون ترشيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائط الرقمية وهي المشكلة التي يعاني منها الآباء والأمهات؛ إلى مشاركين حقيقيين ولاعبين فاعلين في عملية التطور المجتمعي الذي تشهده المملكة خلال تلك الفترة، حين يدرك الصغير قبل الكبير مدى عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه في ضرورة الأخذ بوسائل التقنيات الحديثة والتفاعل الصحيح معها سعيًا وراء تحصيل علومه وبناء مستقبل مشرق إن شاء الله.
فلله در من قال «رُبَ ضارة نافعة» وللحديث بقية إن شاء الله.
** **
- عميد كلية الهندسة وتقنية المعلومات بكليات عنيزة الأهلية