م. بدر بن ناصر الحمدان
بعد تخرجي من الجامعة كانت الخيارات أمامي كثيرة ومتنوعة، وفي فترة تقييم هذه المجالات العملية، التقيت ذات يوم بالصدفة الزميل المهندس نبيل السليمان في أحد مراكز خدمة الطلاب، وبعد تبادل الأحاديث ذكر لي أنه يعمل في (المديرية العامة للشؤون البلدية والقروية بمنطقة الرياض) والتي تحولت فيما بعد لوكالة تابعة لأمانة منطقة الرياض، وعرض علي تجربة العمل بها، وأعجبتني الفكرة كون هذا المجال قريب جداً من شغفي رغم ما كان يتوفر لدي حينها من عروض وظيفية أخرى ذات مميزات وأفضلية.
في اليوم الأول التقيت بالمهندس أحمد بن عبدالله التويجري في مكتبه بشارع النهضة بحي جرير، وكان حينها هو المدير العام وسألني لماذا اخترت العمل البلدي فأجبته أنه اهتمام مبكر لدي منذ مشاريع كلية العمارة والتخطيط، ونقلت له رغبتي في العمل بإحدى البلديات الفرعية لكي أتمكن من تنفيذ ما أفكر فيه على أرض الواقع، فقال لي بما معناه (لن يمكنك فهم ماذا يجري في المدن الصغيرة والمتوسطة ما لم تمارس العمل من العاصمة لتعرف كيف تسير الأمور أولاً)، هذه النصيحة كانت كافية لأن أبدأ رحلة جديدة في العاصمة الرياض منذ ذلك اليوم.
عملت تحت إدارة المهندس أحمد التويجري لأكثر من 17 عاماً في مجال البلديات، تعلمت منه أساسيات العمل البلدي والقيادة الإدارية، حينما أتحدث عن هذا الرجل فأنا أتحدث عن أحد القياديين المؤثرين في تاريخ العمل البلدي في المملكة، منذ بداية عمله في أمانة الرياض وحتى تسنمه مسؤولياته الحالية في المعهد العربي لإنماء المدن، حيث كانت المدن وبيئتها العمرانية محل اهتمامه الدائم، بما كان يتبناه من مبادرات وقرارات ومعرفة ساهمت في إحداث نقلة عملية وثقافة عمرانية على مستوى المدن التي كان يشرف عليها.
لست هنا بصدد الحديث عن السيرة الذاتية للمهندس التويجري، فأنا لست مؤهلاً لذلك، ولكني أتناول جانباً هاماً في مسيرته العملية يُعنى بالقيادة الإدارية كسمة كان من النادر ممارستها بشكل متوازن ومستمر في بيئة عمل مليئة بالتحديات التي كانت تتطلب مهارة كبيرة في منهجية صناعة واتخاذ القرار وإدارة فرق العمل.
على مستوى التجربة الشخصية أنا مدين لهذا الرجل بكثير من الامتنان نظير دعمه وتشجيعه لي منذ بداية رحلتي العملية وحتى اليوم، فرغم شخصيته القوية وسلوكه الوظيفي الحازم جداً، إلا أنه كان إنساناً قيادياً محفزاً من الطراز الأول، وبكل ما يحمله هذا الوصف من معنى، فقد مررت معه بثلاث تجارب عملية كلفني خلالها بمسؤوليات إدارية قيادية رغم حداثة تجربتي، وكان في كل مرة يمنحك الثقة والإيمان بقدراتك ولكنه يضعك تحت المحاسبة وفي مواجهة التحديات والمسؤوليات التي لا تملك أمامها إلا أن تعمل بكل ما أوتيت من قوة للإيفاء بمتطلباتها وأن تكون على قدر تلك الثقة والمسؤولية، هذه الفلسفة الإدارية ساهمت في بناء جيل كامل من القياديين على مستوى العمل البلدي طوال الفترة التي قضاها في ردهاته.
أكثر من 26 عاماً مضت منذ التقيت المهندس أحمد التويجري فيها لأول مرة، وحتى بعد أن غادر عمله الرسمي، لازال وحتى هذا اليوم الرجل الداعم والمساند والمشجع لكل أبناء ذلك الجيل الذي عمل معه، فالقضية هنا لم يكن رابطها زمالة العمل فحسب، بل أكبر من ذلك بكثير، هي علاقة قائد بفريقه، لا تنتهي بنهاية فترة عمل أو انقطاع مهنة، بل منظومة راقية من القيم والأخلاق والمعاني السامية، هي في نهاية المطاف غراس وقطاف، ثمة علاقة لا يمكن أن تتوارى مهما مرت الأيام.
هي سطور وفاء لنموذج قيادي لا يتكرر كثيراً.