مها محمد الشريف
من الأشياء التي لا تزال تتكرَّر في ذاكرة العالم هي تلك الأوبئة التي فتكت بالبشر والتي تلعبها عوامل فاعلة في بيئتها، ومن ثم الإنتاج والتوزيع العمدي لإعطاء مفاهيم خاطئة ومضلِّلة عنها، فمن مسببات القلق الفيروسات الهاربة من مختبرات الأبحاث مثل فيروس الإنفلونزا الذي هرب من أحد المختبرات الروسية وتسبب في جائحة عام 1977، وهروب فيروس الجدري من مختبر الميكروبيولوجيا بجامعة بيرمنجهام بالمملكة المتحدة 1978 .
وخلال هذا القرن تم إطلاق ميكروب الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وسلّطت الأضواء على الخطر الذي تشكِّله الأسلحة البيولوجية، والتي تصيب أعداداً هائلة من البشر، ومعرفتنا بعدد من الفيروسات الحديثة من بينها إنفلونزا الطيور إتش5 إن 1 في آسيا وإنفلونزا الخنازير في المكسيك، وثبت نقلها من الحيوان إلى الإنسان، وفي شرق آسيا وبالتحديد في الصين تخطى عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا ووهان في الصين، عدد الوفيات الناجمة عن وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد، الذي يُعرف بـ»سارس» عام 2003 .
دونما شك هناك سر كبير، يحثك على ملاحظة التفسيرات العلمية لمعجزة الصين في الصناعات المختلفة وعجزها عن اختراع مصل لهذه الفيروسات التي انتشرت فيها من سارس إلى كورونا المستجد، ويظل لغزاً كبيراً في تكوينها وبالتحديد بعد تصاعد وتيرة العنف المرتبط بالشؤون الصحية في الفترة التي تلت الحروب، تجلى ذلك في كل حرب من حروب المقاومة واعتبرت مسرحاً سياسياً لعب الناس فيه دوراً حيوياً في الدراما التي شهدتها الصين الحديثة، فقد صاغ نيتشه ذلك في إحدى أشهر مقولاته: « الضربة التي لا تقتلني تجعلني أقوى»، فهذه هي ثقافة الرغبة والسعي إلى التحدي أو الصراع، وكان ينظر لهذا القول في آسيا على أنه لسان حال الغرب، ولكن هذه المرة اختلف الوضع في الصين الضربة قتلت وجعلت الاقتصاد أضعف.
فمنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، الذي يعد نقطة البداية الأساسية لتاريخ كتاب «مدنيو آسيا في زمن الحرب» من ثورة التايبينغ إلى حرب فيتنام للمؤلف ستيوارت لون»، يحوي الكتاب سيناريو مماثلاًأ، وإن حدث على نطاق أوسع، فقد كانت مجتمعات شرق آسيا مرغمة وبشكل متزايد على تغيير قيمها وممارساتها بعد هجوم الحكومة البريطانية على الصين بين عامي 1839و 1842بما يُسمى «حرب الأفيون الأولى»، ونتيجة لهزيمة الصين في هذه الحرب وفي حروب تالية، وقيام القوى الغربية بفرض الحكم الاستعماري والاتفاقيات الجائرة على آسيا، نشأ نظام ثقافي واجتماعي جديد من نوعه.
من هنا، تتوالى الأحداث وتجتمع عند هذه النقطة الجوهرية تفسر كيف بدأت نشأة الصين من خلال التعليم الجماعي لمعرفة القراءة والكتابة وتطوير وسائل إعلام جديدة، وبناء أساس اقتصادي واجتماعي يسمح ببناء الجيش، ونتيجة لذلك أسفرت الحروب والتهديدات عن تغيرات غير عادية، كما أن الوجود المادي والقوة الاقتصادية للجيش وثقافة التطوير الرأسمالي والابتكارات في التكنولوجيا البحرية والعسكرية وتصاعد دور الجيش بوصفه لاعباً مؤثِّراً في المجتمع.
في هذه الأثناء التي يواجه العالم فيها حرباً فيروسية واقتصادية نفطية، نعود فيها إلى الكتب وتاريخ الدول والجدل الذي يدور حول الحياة اليومية في الصين بعد هذه الكوارث والتي عُرف فيها مصدر الفيروس وعدد الضحايا والوفيات، وتاريخها مع ويلات الحروب وتعرضها سابقاً لعدة فيروسات أودت بحياة الكثير من الناس، وكيف عادت وها هي اليوم تتصدر المشهد، من حرب تجارية مع أمريكا إلى سيطرة على أسواق العالم.
لقد تناول الكتاب تفاصيل كثيرة عن انتشار الأمراض مع هجرة الناس في زمن الحرب، حيث ظهرت الملاريا في أوائل الغزو الياباني حتى تأسيس العاصمة المؤقتة في يوهان عام 1938 والتي وصفوها بأنها أكبر حملة لإدارة الأزمات ومئات الناس يتضورون جوعاً حتى الموت.
ومع ذلك، استطاعت أن تكون ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فالصين تستطيع أن تتعافى وتقضي على فيروس كرونا المستجد، ولكن يبقى أهم الأسباب التي دهورت العالم اقتصادياً واجتماعياً كان صمت الصين عن انتشار الفيروس فيها حتى تفشّت العدوى وقتلت الآلاف من الناس وانتشرت عالمياً، وأظن أنها لن تتعرّض للمحاسبة حالها حال غيرها من الدول ذات الطبيعة المغلقة في طرق إدارتها لشؤونها عندما تحدث بها كوارث وتخفيها عن العالم حتى ينتشر خطرها خارجياً ويصعب السيطرة عليه إلا بتكاليف باهظة.