د. عبدالحق عزوزي
صرح تيدروس أدهانوم جيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية مؤخراً بأن وتيرة انتشار فيروس كورونا تتسارع بشكل كبير بعد تسجيل أكثر من 300 ألف حالة حول العالم (إلى حدود كتابة هاته الأسطر)، ودعا إلى التزام سياسي عالمي لتغيير مسار الوباء واتخاذ إجراءات دفاعية وهجومية ضده. وقال «لكي نفوز علينا مهاجمة الفيروس بإجراءات هجومية ومستهدفة، والكشف عن كل حالة مشتبه بها والعزل والاعتناء بكل حالة مؤكدة والتتبع وفرض الحجر الصحي على كل اختلاط وثيق».
ودعا المسؤول الدولي إلى التزام سياسي عالمي بناء وهادف يمكن من إيقاف تطور الفيروس وبلورة سياسات عمومية دولية وتدابير دفاعية وهجومية. وقال «مطالبة الناس بملازمة منازلهم وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي وسيلة مهمة لإبطاء انتشار الفيروس وشراء الوقت لكنها إجراءات دفاعية».
يبدأ حل المشكلة بتطبيق عبارة «ابقوا في منازلكم» في جل دول العالم بما في ذلك أمريكا وبريطانيا اللتين كانتا لا تؤمنان بجدية الموضوع؛ وهاته العبارة تشكل اليوم دعوة ملحة وجدية لنحو الملايين من البشر في مختلف بلدان العالم، كونها الحل الأنجع لمنع انتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة الآلاف من الشخاص، وأزيد من نصفهم خارج بؤرته الرئيسية الصين خاصة في إيطاليا التي باتت أكبر بؤرة لانتشار فيروس كورونا أو «كوفيد-19» في أوروبا، وفيها أعلى حصيلة لعدد الوفيات الناجمة عن الفيروس المستجد في العالم، وهو ما فسره العلماء من خلال عدة عوامل، أبرزها متوسط الأعمار والنظام الصحي وسياسة إحصاء المصابين والوفيات.
ونلاحظ أن معدل وفيات أعلى بكثير في الدول التي تعتبر شعوبها أكبر سنا، منه في الدول الأكثر شباباً. وأشارت إحدى الباحثات في جامعة أوكسفورد السيدة جنيفر داود في دراسة نشرتها على الموقع الإلكتروني للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى «ترابط قوي بين الديموغرافيا ومعدل الوفيات في ما يتعلق بكوفيد-19». ودعت إلى أن تأخذ تدابير الابتعاد الاجتماعي الرامية إلى إبطاء انتشار الفيروس بالاعتبار؛ وشددت داود في سياق وسائل مكافحة الوباء العالمي، على أن «الفيروس يجب ألا يقارب المسنين الذين قد يكون بسهولة قاتلاً لهم».
ومن هنا نفهم ما يجري في إيطاليا، حيث عامل الشيخوخة؛ فعلمياً تظهر أشد الأعراض لدى المسنين والأشخاص الذين يعانون بالأساس من أمراض، وبالتالي فمن المنطقي أن يكون عدد الوفيات بين المصابين به أعلى في إيطاليا منه في دول أخرى، إذ إن سكان هذا البلد هم الأكثر تقدما في السن في العالم بعد اليابان.
وهناك عامل آخر هو عامل العائلة الكبيرة التي تعتبر في هذا البلد من دعائم المجتمع، فالجدود يجلبون أحفادهم من المدرسة ويحرسونهم ويقومون ربما بالتبضع لأولادهم الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثين وأربعين عاماً، معرضين أنفسهم بشكل خطير للعدوى. والظاهر أن الوباء باغت البلد من غير أن يتسنى له اتخاذ استعدادات لمواجهته، خلافاً لبعض الدول؛ فسرعان ما استنفدت المستشفيات قدراتها، واضطر الأطباء إلى القيام بخيارات صعبة بين المرضى الذين هم أجدى بالعلاج.
هذا من جانب؛ ومن جانب آخر فعبارة «ابقوا في منازلكم» وإن كانت تنقذ حياة البشر فإنها لا تنقذ الاقتصاد، وهاته مسألة طبيعية. ومن هنا الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تفتح أبوابها ونوافذها للجميع منذرة بأشهر عجاف على الجميع.
وقد أصدرت المفوضية الأوروبية في الأيام الماضية بياناً قالت فيه إنها صادقت على خطة فرنسية تقضي بتأمين قروض للشركات بقيمة إجمالية تبلغ 300 مليار يورو بهدف التصدي للآثار الاقتصادية لفيروس كورونا. وورد في بيان للمفوضية أنه تمت المصادقة على هذا الدعم من الدولة الفرنسية «بمقتضى الإطار الموقت الجديد لمساعدات الدولة» الذي يضفي مرونة على قواعد الاتحاد الأوروبي بهدف مواجهة التداعيات الاقتصادية للوباء. وأشار وزير المال الفرنسي برونو لومير إلى أن الضمانة الفرنسية التي أعلنها الرئيس إيمانويل ماكرون يوم 16 مارس/ آذار تشمل «جميع القروض المصرفية». وأضاف أن هذا الإجراء «يهدف إلى ضمان الحفاظ على سيولة الشركات».
ويقيني أن هاتين المعضلتين الصحية والاقتصادية ستتركان لا محالة تداعيات جسيمة على حياة البشر واقتصاديات دول العالم؛ وستتغير أمور كثيرة فيما بعد سياسيا واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وطبياً؛ وستصبح الصحة والاستثمار في هذا المجال من أولويات الدول بأسرها وستتغير علاقات الدول فيما بينها وعلاقة الأفراد بالمجتمعات وبالطبيعة.