إبان العمل وزيراً لوزارة العمل قال الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -: العمل الإداري له جانبان، الأول: ممل روتيني.. أوراق وتقارير، محتاج لصبر أيوب، وهذا الجانب السطحي منه، فمن من اكتفى به قد يموت مللاً! أما الآخر: فجانب النتائج، الذي يشبه الرضا عن كتابة قصيدة جميلة، أو لوحة تشكيلية رائعة..!»
هذه الفلسفة الإدارية لم تأت من فراغ، لكنها بالتأكيد ثمرة حياة.. في القراءة.. والكتابة.. وفلسفة الإدارة أيضاً! الكتابة التي قال عنها القصيبي: «قبل أن تكتب صفحة واحدة، اقرأ ألف صفحة!»، ما يعيدنا إلى الإطلالة على سيرة القصيبي بهذا السؤال: كم كتاباً قرأه القصيبي في شتى الفنون، ليكون شاعراً على خطى المتنبي، وروائياً يشار إليه بالبنان، وكاتباً ترك لنا حياة في فقه الإرادة.. وفكر الإدارة!
وإذا كان التعميم بأن أمة اقرأ.. لا تقرأ، حكماً لا يمت إلى الصواب بصلة، لما يغلب عليه من دوافع العواطف والانفعالات والبكائيات.. في غياب الدراسات المسحية ودراسات استطلاع الرأي العام! وبالمقابل فسيظل فضاء الكتابة لا متناهيا أمام أنامل التقنية المتاحة التي تسابق أنامل البشر، بعد أن أصبح (المقص)، أبرز أدوات الكتابة، التي لا نحتاج معها سوى اختصارين! وبعد أن أصبحت الألقاب في منصات التواصل الاجتماعي إما شواهد.. وإما شهود من أهلها!
ما الذي يمكن أن تعكسه المواقع والحسابات الجادة من عدد المتابعين أو حجم القراءة أو التفاعل أو حتى المشاهدة كمرور كرام..؟! وما الذي يمكن لنا أن نقرأه انعكاساً لقراءة؟ ثم ماذا عن حال موضة الكتابة في سائر الفنون أثقلت كاهل الرفوف! التي ربما كانت إحدى مؤشرات حكم القارئ، أو التلقي النشط الذي أصبح لفت انتباهه إلى الكتاب مهمة صعبة مركبة، ومنتج عصي حتى على أهل الصناعة، وأرباب احترافها!
* بين الحكي.. وشهوة الكتابة.. وبين الكتابة.. مسيرة عقل!
** **
- محمد المرزوقي